[فضل الاعتصام بالسنة]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
في الدروس الماضية تكلمنا عن ذم الفرقة والاختلاف، والأمر بالاتفاق والائتلاف من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، قال في كتابه العظيم الممتع وهو ما طبع بعنوان: الفرقان بين الحق والباطل، وهو غير كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ لكن الثاني مشهور أكثر من شهرة الأول، وكلاهما جزء قد استل من الكتاب الأم وهو: مجموع الفتاوى.
قال ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابه: (الفرقان بين الحق والباطل): فخير للمرء أن يلقى الله تعالى مؤمناً، ولو كان مبتدعاً من أن يلقاه على الكفر البواح.
أولاً هذا الكلام لا يفهمه إلا ابن تيمية ومن مثله أو فوقه، كما أن هذا الكلام لا يقبله إلا من شرح الله تعالى صدره للحق.
يقول ابن تيمية: بعض الشر أهون من بعض، فلأن يلقى الله تعالى رجل مسلم متشيع أو قدري أو معتزلي أو أشعري أو غير ذلك من أصحاب هذه الفرق، خير من أن يلقاه كافراً كفراً بواحاً، وهذا الكلام في غاية القبول، وابن تيمية يقول هذا الكلام في المرتبة الثانية، أما المرتبة الأولى فهي ما نقل عن أبي الأسود الدؤلي وميمون بن مهران وغير واحد من السلف أنهم قالوا: والله لا ندري أي النعمتين علينا أعظم: أن هدانا الله للإسلام، أم عصمنا في الإسلام إلى سنة وتوحيد.
أي أن كثيراً من السلف قالوا: والله لا ندري أي النعمتين لله عز وجل علينا أفضل من الثانية: أن من الله تعالى علينا بالإسلام فأسلمنا، أو أن الله عصمنا في الإسلام إلى سنة، فلم نزغ ولم ننحرف، نحن لا نعرف أي واحدة أعظم من أختها، هل الإسلام أعظم من الثبات على الحق، أو أن الثبات على الحق في الإسلام أعظم من الإسلام نفسه.
فالذي يتكلم عنه ابن تيمية إنما هو في الرتبة الثانية، أما الرتبة الأولى فهي أن تكون مسلماً صاحب حق، وهذا الحق لا يعرف إلا من خلال قال الله وقال الرسول وقال الصحابة.
أي: فهم الصحابة من قول الله شيئاً، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً.
ولذلك كل الفرق الضالة والجماعات لا تخلو من انحراف عن النهج السديد في هذا العصر الراهن، والجماعات ليست فرقاً، لكن كل واحدة من هذه الجماعات انحرفت عن كتاب الله وعن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ولو شيئاً يسيراً.
أما هذه الفرق الضالة فقد انحرفت، بل وأبعدت بانحرافها إلى أقصى درجات الانحراف؛ ولذلك هي الفرق التي خالفت أصل الرسالة وأصل الشرع الذي جاء به الله تعالى من السماء على لسان رسوله الكريم، فهذه استحقت الوعيد بالنار، أما هذه الجماعات فعلى قدر انحرافها، إلا أننا نرجو الله تعالى أن يغفر لهذه الجماعات؛ لحسن ظنها ولجهدها المبذول في سبيل نصرة الإسلام على نهج النبي عليه الصلاة والسلام.
أقول هذا مع إثبات الانحراف لهذه الجماعات، أو لمعظم هذه الجماعات؛ ولذلك فإن من سعادة المرء الناشئ ألا يرتبط بجماعة من هذه الجماعات، بل يرتبط بالكتاب والسنة، وإن ادعت كل جماعة أنها على الكتاب والسنة، لكن هيهات، مع قول الشاعر: وكل يدعي وصلاً لليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا فكل يقول: إنا على الكتاب والسنة، وليست العبرة بادعائك الكتاب والسنة، أو بسيرك حقيقة وفق قول الله وقول الرسول، ولكن العبرة من الذي فهم قول الله وقول رسوله، هل فهم فهم الجماعة، أم فهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة بن الجراح وعبادة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وغير هؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم.
إذاً: العبرة ليست في اعتمادك على آية أو حديث، وإنما العبرة في اعتمادك على فهم السلف لهذه الآية ولهذا الحديث.
ولذلك هذه الجماعات في لحظة صدق مع الله عز وجل، ولحظة صفاء فردي؛ لابد أن تراجع حساباتها من أول الأمر إلى آخره، فإن كانت صادقة مع الله عز وجل، فإنها ستراجع منهجها الذي أسست عليه، وأعتقد أن المناهج التي أسست عليها هذه الجماعات ووضعها زعماؤهم القدامى، تختلف عما عليه الجماعات الآن، فإن أي جماعة من هذه الجماعات قد وضع لها قائدها الأعظم ومؤسسها الأول نهجاً علمياً هو نهج سلفي لا محالة، لكن إذا نظرت إلى هذه الجماعات الآن وجدت أنها لا علاقة لها بالعلم لا من قريب ولا من بعيد، مع أن إمامها الأول إنما ابتغى أن تصل هذه الجماعة إلى ذروة العلم، ولكن من أتى بعده خالف نهجه شيئاً ف