للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة التحلي بالعلم والحكمة في الدعوة إلى الله]

وبعض الإخوة يقول: إذا كنا مأمورين بالدعوة إلى الله عز وجل؛ فكيف نوفق بين ما أُمرنا به وبين قولك: أننا لا نجادل ولا نماري ولا نخاصم ولا ندعو إلى الله عز وجل؟

و

الجواب

أنا ما قلت هذا القول، ولم يَفهم أحد تقريباً من كلامي أني قلت هذا، لكن لا بد أن تعلم أنك مأمور بالدعوة إلى الله عز وجل إذا كنت على مستوى ذلك، فتدعو إلى الله عز وجل، فكم من الناس -وربما يكون عنده علم- إذا دعا إلى الله كاد أن يفسد أكثر مما يصلح؛ لأن شرط الدعوة أن تكون بالحكمة، وبعض الناس لا حكمة عنده ألبتة، فعندما يأمر كأنه يأمر بالعصا والسيف، فلا يقبل منه ذلك، بل ربما تأخذ المأمور العزة بالإثم فيرد الحق الذي معك؛ لغلظتك وفظاظتك، والله تعالى يقول لنبيه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩]، فلما لم ينفضوا من حوله، بل التفوا حوله؛ تبين أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فظاً، ولا غليظ القلب عليه الصلاة والسلام، بل كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكان يحرص عليهم أكثر من حرصه على نفسه وعلى أهله وولده عليه الصلاة والسلام، فمثل هذا هو الذي يدعو.

وكذلك لا يدعو أحد بغير علم، وأنتم تعلمون أننا نعيب على الإخوان الذين يدعون إلى الله بزعمهم بغير علم، فينشرون البدع، وينشرون الخرافات في العقيدة والعمل؛ فهذا أمر لم يكلفنا الله عز وجل به؛ ولذلك قال الله تعالى: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ)) على ماذا؟ ((عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا)) أي: النبي ((وَمَنِ اتَّبَعَنِي)).

فالذي يدعو إلى الله عز وجل لا بد أن يتحلى بالحلم ومكارم الأخلاق، ويكون عاملاً كذلك بما يدعو الناس إليه ويأمرهم به، ويكون منتهياً عما ينهاهم عنه، وكذلك يكون عالماً بالأمر الذي يأمر به، أو عالماً بالنهي الذي ينهى عنه.

فربما ذهب ينهى الناس عن أمر ويغلب على ظنه أنه حرام؛ فإذا به واجب، وربما ذهب يأمر الناس بعمل معين، وإذا به منهي عنه في الشرع؛ ولذلك فالعلم شرط في الدعوة إلى الله عز وجل.

فبهذه القيود وغيرها من القيود والشروط التي اشترطها أهل العلم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون الدعوة، أما أن يُفهم من كلامي ترك الناس للدعوة إلى الله عز وجل بالكلية؛ فهذا لا أقصده ولا أقوله قط.