[ضرر السماع من أهل البدع ومجالستهم]
قال: [وعن ابن سيرين: أن رجلاً أتاه فسأله عن القدر، فقال ابن سيرين: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].
فأعاد عليه الكلام، فوضع محمد يديه في أذنيه، قال: ليخرجن عني، أو لأخرجن عنه.
قال: فخرج الرجل، فقال محمد: إن قلبي ليس بيدي، وإني لا آمن من أن يبعث في قلبي شيئاً لا أقدر أن أخرجه منه، وكان أحب إلي ألا أسمع كلامه أصلاً].
ولهذا يحذر أهل العلم من مجالسة أهل الأهواء والبدع.
[وعن ابن النضر الحارثي قال: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة، ووكل إليها].
فالذي عصمك من الكفر ابتداء وجعلك مسلماً هو الله، والذي عصمك في الإسلام لطريق السنة هو الله عز وجل، فلا تختر لنفسك أن تذهب بقدميك إلى أصحاب الأهواء والبدع يلعبون بعقلك وقلبك، فإن فعلت فاعلم أن الله تعالى يتخلى عنك، ويكلك إلى نفسك، فاحفظها أو ضيعها.
[وقال يوسف بن أسباط: ما أبالي سألت صاحب بدعة عن ديني أو زنيت].
يعني: أن سؤال أهل البدع عن شيء في الدين هو والزنا سواء، فسؤال أهل البدع معصية وكبيرة من الكبائر، كما أن الزنا كبيرة من الكبائر.
وأنا أزيد كلاماً فوق هذا الكلام وأقول: إن مساءلة أهل البدع ومصاحبتهم أشد من الزنا؛ لأن الواقع في هذه البدعة أو في هذا الهوى يعتقد أنه على السنة، وأنه على الحق، ولذلك لا يرجع عنه إلا من وفقه الله، بخلاف أصحاب المعاصي فإن الواحد يزني ويعلم أنه زنا، وأنه يحتاج إلى توبة، كما أن السرقة كبيرة، ورتب الشرع عليها حداً، فالسارق يعلم أنه سارق، ويعلم أنه عاص، ويعلم أنه بارتكابه الكبيرة فاسق قد فقد جزءاً كبيراً من الإيمان، لكن صاحب البدعة يتقرب بزعمه إلى الله عز وجل بهذه البدعة.
ولذلك يقولون: إن البدعة بريد الكفر، أي: البدعة تؤدي إلى الكفر، وصاحب البدعة أحب عند إبليس من ألف من أصحاب المعاصي؛ لأنه يعرف أن أحدهم من الممكن أن يتوب، وأما صاحب البدعة فأنى له التوبة! [وقال مسلم بن يسار: لا تمكن صاحب بدعة من سمعك فيصب فيها ما لا تقدر أن تخرجه من قلبك.
وقال الفضيل: صاحب بدعة لا تأمنه على دينك، ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه، ومن جلس إلى صاحب بدعة أورثه الله العمى] يعني: في قلبه.
[وقال الفضيل: إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكن مجلسك، لا يكن مع صاحب بدعة، فإن الله لا ينظر إليه، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة.
وقال: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة.
وقال: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قبله.
وقال: لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة.
وقال ابن سيرين: لو أني أعلم أن أحدكم يقوم من عندهم كما جلس لم أبالِ.
وقال ابن عون: لا يمكن أحد منكم أذنيه من هوى أبداً.
وقال الثوري: ما من ضلالة إلا ولها زينة؛ فلا تعرض دينك إلى من يبغضه إليك].
فصاحب البدعة لا بد أنه يحسن لك وجهه القبيح، ولو قال: إنه قبيح؛ لم تقبل منه قبحاً، لا لأنه أثر على نفسه، وأثر على معتقده الزائف الضال، فهو يدخل عليك ببدعته مزينة ومزخرفة ومزركشة، وملونة بألوان جذابة، مرة بآيات من كتاب الله عز وجل على غير فهم سلف الأمة، ومرة بأحاديث لا يأخذونها بفهم السلف، فإذا كان للسلف فهم لآيات الله، ولأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام؛ فلا يحل لأحد أتى بعدهم أن يخالفهم فيما فهموه؛ لأنهم أصحاب اللغة، والبيان والفصاحة، وهم أصحاب اللسان الذي نزل به القرآن الكريم، وهم أفقه الناس وأعلم الناس بكلام الله، وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام.
فإذا كانت المسألة مسألة عقول وأفهام؛ فلا شك أن أفهام السلف خير من أفهام وعقول من أتى بعدهم، فلابد أن تعلم أن فهم السلف لنصوص الوحيين عصمة لك حتى تلقى الله عز وجل، فلا تحد عنه قط، والسلف عند الإطلاق هم أصحاب القرون الخيرية، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي أقوام بعد ذلك يشهدون ولا يستشهدون) إلى آخر الحديث، يعني: يتكلمون بغير علم.
[قال محمد بن الخضر الحارثي: إن أصحاب الأهواء قد أخذوا في تأسيس الضلالة، وطمس الهدى، فاحذروهم.
وقال المغيرة عن ابن السائب: قوموا بنا إلى المرجئة نسمع كلامهم.
قال المغيرة: فما رجعت حتى علق] أي: تعلق في قلبه شيء من كلام المرجئة، وكان ينبغي ألا يذهب وألا يسمع كلامهم.
[وقال الفضيل بن عياض: من تواضع لله رفعه، ومن كان مجلسه مع المساكين نفعه، وإياك أن تجلس مع من يفسد لك قلبك، ولا تجلس مع صاحب هو