قال:[قال ابن بطة رحمه الله: فلو أن رجلاً عاقلاً أمعن النظر اليوم في الإسلام وأهله، لعلم أن أمور الناس تمضي كلها على سنن أهل الكتابين وطريقتهم، وعلى سنة كسرى وقيصر، وعلى ما كانت عليه الجاهلية، فما من طبقة من الناس وما من صنف منهم، إلا وهم في سائر أمورهم مخالفون لشرائع الإسلام وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، مضاهون فيما يفعل أهل الكتابين والجاهلية قبلهم، فإن صرف بصره إلى السلطنة وأهلها وحاشيتها، ومن لاذ بها من حكامهم وعمالهم، وجد الأمر كله فيهم بالضد مما أمروا به، ونصبوا له، في أفعالهم وأحكامهم وزيهم ولباسهم، وكذلك في سائر الناس بعدهم من التجار والسوقة، وأبناء الدنيا وطالبيها من الزراع والصناع والأجراء والفقراء والقراء والعلماء إلا من عصمه الله.
ومتى فكرت في ذلك وجدت الأمر كما أخبرتك في المصائب والأفراح، وفي الزي واللباس والآنية والأبنية والمساكن والخدام والمراكب والولائم والأعراس والمجالس والفرش والمآكل والمشارب وكل ذلك، فيجري خلاف السنة والكتاب بالضد مما أمر به المسلمون وندب إليه المؤمنون].
ومما يدل على ذلك أن الذين يصنفون مصنفات في كيفية العمارة القديمة تجد البيت نفسه مكشوفاً تماماً، ففي هذا الوقت وأنت تمشي في الشارع تجد الحرمات مكشوفة، وعندما تدخل منزلاً فيه حديقة، تجد أن أول شيء يقابلك من الباب المطبخ، وكان المطبخ من قبل بجوار غرفة الاستئذان، لكن في هذا الوقت أصبح المطبخ وغرفة الاستئذان شيئاً واحداً، فإذا دخل الضيف خرجت المرأة بأحدث زيها وأجمل زينتها من أجل أن تعمل للضيف كوب شاي، ولا سبيل لها إلا أن تمر فتسلم وتصافح، وربما جلست للمسامرة والمؤانسة، ثم انطلقت إلى مكان إعداد الشاي وغيره، حتى في المباني في داخل البيوت قد تشبهنا بالكافرين.
قال:[وكذلك من باع واشترى، وملك واقتنى، واستأجر وزرع وزارع، فمن طلب السلامة لدينه في وقتنا هذا مع الناس عدمها].
أريد أن أقول شيئاً: هل تستطيع أن تأتي لي بعمل في هذا الوقت لا شبهة فيه؟ أو هل يعمل أحد منكم عملاً لا شبهة فيه؟
الجواب
لا أحد، وهذا من البلاء العظيم الذي حل بالأمة، وكأن الأمة لابد أن تأكل الحرام رغم أنفها، بل حتى الذي يخرج بالسلامة لا يتمكن من ذلك.
قال:[ومن أحب أن يلتمس معيشة على حكم الكتاب والسنة فقدها، وكثر خصماؤه وأعداؤه ومخالفوه ومبغضوه فيها، فالله المستعان، فما أشد تعذر السلامة في الدين في هذا الزمان، فطرقات الحق خالية مقفرة موحشة، قد عدم سالكوها واندفنت محاجها، وتهدمت صواياها -أي: علاماتها وأعلامها- وفقد أدلاؤها -جمع دليل- وهداتها، قد وقفت شياطين الإنس والجن على فجاجها وسبلها تتخطف الناس عنها، فالله المستعان، فليس يعرف هذا الأمر ويهمه إلا رجل عاقل مميز قد أدبه العلم، وشرح الله صدره بالإيمان]، أما غير ذلك فلا.
ولذلك دائماً نقول: طلب العلم نجاة من الهلاك، فالسبيل الوحيد لمن أراد أن ينجو مما حل بالعالم من خراب وفساد وضلال هو طلب العلم؛ لأنه العاصم بأمر الله.
فطلب العلم نجاة من كل هلكة، فمن أراد أن ينجو وأن يرتفع بأنفه، ويعلو بنفسه على واقع العالم المر الباطل فليتعلم العلم، وبغيره لا يمكن لك أن تنجو من البلاء الذي نزل بالكون.