[وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)].
وهذا نفس الحديث الأول:(لا تجتمع أمتي على ضلالة).
وهو حديث صحيح.
فمن خرج علينا الآن يقول بقول لم تقل به الأمة منذ قرون متعددة، ويقول: هذا دين الله عز وجل، فهو مخترع مبتدع في دين الله عز وجل، لا تجوز موالاته ولا موافقته على ما أحدثه.
فإن كان من أهل الاجتهاد والعلم فهو مأجور أجراً واحداً، أما إذا كان دون ذلك فهو إنسان مبتدع.
فالأمة لا تجتمع على ضلال، لكن قد يكون الضلال موجوداً في بعض الأفراد، ولا يقصد من هذا النص نفس الضلال مطلقاً، وإنما بمعنى آخر، فقد تجد بعض الأمة ليسوا على الحق، بل على الضلال المبين، وقد يكونوا في ضلال في فهم النصوص ولا يرجعون إلى كلام أهل العلم، وإما في ضلال في استخدام دين الله عز وجل للحصول على كرامة أو أموال أو وجاهة أو غير ذلك.
وهذا أيضاً نوع ضلال.
ولا يعني هذا الضلال أن الحق قد خفي والتبس على الأمة، بل الحق ظاهر عند غير هؤلاء، وهذا معنى (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، أي: لا يعم فيها الضلال في وقت من الأوقات ولا في بلد من البلدان، بل لا بد من قيام أحد أبناء الملة بالحجة في كل زمان ومكان، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}[الأنفال:٤٢].
قال:(فإن رأيت اختلافاً فعليك بالسواد الأعظم).
وهذا الشق بالذات ضعيف، بل ضعيف جداً، وفي إسناده مناكير، وأما معناه فربما يكون صحيحاً، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم، والسواد الأعظم ليسوا عامة الناس ورعاع الناس، وإنما السواد الأعظم علماء الأمة؛ لأن بعضهم يتصور أن السواد الأعظم هم العوام، والعوام لا عبرة بهم ولا حكم لهم نهائياً، فالعوام شر القطيع، وإنما المقصود بالسواد الأعظم في النصوص هم السواد الأعظم من أهل العلم؛ لأنه لا يمكن أن يجتمع السواد الأعظم من العلماء على الضلال، بل قد يكون في أفراد العلماء، وأما في المجموع فلا.
وفي حديث ابن مسعود: الحق ما عرف المسلمون، والباطل ما لم يعرفه المسلمون، أو بمعنى هذا الكلام.
قال الشيخ الألباني وغيره من أهل العلم:(المسلمون) أي: علماؤهم.