قوله:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} أي: أحزاباً وجماعات وطوائف، فلست منهم يا محمد! في شيء، إن الله لن يحاسبك على تفرق اليهود، ولا على تفرق النصارى كما قال عليه الصلاة والسلام:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة).
فهذه الأمة صارت فرقاً وشيعاً وأحزاباً، هل النبي عليه الصلاة والسلام سبب في ذلك؟ لا؛ لأنه قد حذر من الفرقة والاختلاف، وأمر بالاعتصام والائتلاف، ولكن هذه الأمة ركبت ما ركبه اليهود والنصارى والأمم السابقة من التفرق والتشرذم والاختلاف، فلما كان بهم شبه منهم وكان الأولون في النار؛ أخبر النبي عليه الصلاة والسلام من اتخذ الفرقة والتشيع والتشرذم في شريعته عليه الصلاة والسلام؛ أنهم سيجازون بدخول النار؛ ولذلك قال:(كلها في النار إلا واحدة).
وفي صحيح البخاري: عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء أبناء علات وديننا واحد)، يعني: وإن اختلفت أمهاتنا فلا يختلف ديننا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}[آل عمران:١٩].
فما من رسول إلا وقد أرسل بالإسلام، وإن اختلفت أمهاتهم، هذا أسود وذاك أبيض، هذا أحمر وهذا أصفر، هذا أعجمي وهذا عربي كلهم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم، ومنازلهم ومراتبهم؛ إلا أنهم متفقون على وحدة الدين، وهي الأمر بعبادة الله تعالى وحده.
فقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام:١٥٩] أي: يا محمد! لا تخف ولا ترتجف، فهؤلاء لا يمتون إليك ولا تمت أنت إليهم {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ}[الأنعام:١٥٩] أي: حسابهم على الله، فإنهم سيموتون ثم يبعثهم الله عز وجل، {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الأنعام:١٥٩] من التفرق والشيع.