قال الله تعالى:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣]، هذه الآية تشير إلى أفعال الله تعالى: إدخال الله تعالى لبعض خلقه الجنة، وللبعض الآخر النار، فهذا من أفعال الله، فهو قادر على ذلك، ولو أن الله تعالى أدخل الطائعين النار، وأدخل العصاة الجنة لا يكون ظالماً لأحد الطرفين، بل فعل ذلك لحكمة وعدل، لأن اليقين أن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة، وأن الله تعالى منزه عن جميع صفات النقص، متصف بجميع صفات الكمال، ولما كان الأمر كذلك؛ جل ربنا تبارك وتعالى أن يدخل الكفار الجنة وأن يدخل المؤمنين النار، فجعل الجنة لأهل الإيمان والتوحيد، وجعل النار لأهل الكفران والإلحاد والعصيان.
وهذا من تمام وكمال عدل الله عز وجل في أهل النار، ومن كمال وتمام فضل الله عز وجل على أهل الجنة، وإلا فلو عمل العاملون بطاعة الله تبارك وتعالى منذ أن خلقوا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا يستحقون بذلك الجنة، ولكنها فضل الله عز وجل؛ ولذلك قال ابن عباس في قول الله تعالى:{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:٧]: السر هو ما أسره الإنسان في نفسه، ولم يطلع أحداً عليه؛ فهذا يسمى: سراً، والله تعالى هو الذي يعلمه، وهناك من الأمور في حياتي ما لا أعلمها أنا، وما فكرت فيها أصلاً، والذي يعلم أني غداً سأفكر في كيت وكيت هو الله.
فهذا خفي علي من أمري ومصالحي وحياتي، وأنا ما فكرت فيها، ولا أعلم منها شيئاً، وقد علم الله أني سأفعل كذا غداً وبعد غد حتى آخر لحظة في حياتي، فعلم الله تعالى وسجل حياتي قولاً وعملاً حركة وسكوناً، وأنا لا أعلم من حياتي إلا ما قد وقع بالفعل؛ فيصلح في حقي أني لا أعلم شيئاً، وأن الأمر بالنسبة لعلمي وإرادتي أنف، أي: لا أعلمه إلا بعد الوقوع، وأما الله تعالى فإنَّ علمه الأزلي سابق في خلقه، فقد علم ما كان منهم وما يكون، وما سيكون منهم حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.