قال:[عن محمد بن سيرين قال: إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من قبله يأمره وينهاه.
وقال ابن سيرين: ما ينكر هؤلاء أن يكون الله عز وجل علم علماً جعله كتاباً].
يعني: ليس بمستغرب إثبات علم الله تعالى الأزلي، ولا بد من إثبات علم الله؛ لأن من أنكر هذه المرتبة ورد علم الله، وقال: إن الله تعالى لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها؛ فقد خرج من الملة.
ويلزم من ذلك إثبات أن الله تعالى علم في الأزل كل ما يعمله العاملون، فكتبه عليهم، وسجله في صحائفهم، فما هي الغرابة في هذا، ألا تثبتون علم الله وأنه أزلي سابق على خلق الخلق؟ بلى، ألا تثبتون أن الله تعالى علم ما العباد عاملون، وما هم إليه صائرون قبل أن يخلقهم، فكتب ذلك في اللوح المحفوظ، فهو عنده تحت العرش؟ فإما أن تقولوا: إن الله لم يكن عالماً ثم علم، وإما أن تقولوا: إن الله تعالى عليم وعلمه أزلي ليس مخلوقاً ولا حادثاً؛ لأن صفات الله تعالى كلها غير مخلوقة، فحينئذ نقول: إن الله تعالى في باب القدر علم ما العباد عاملون، فكتبه في اللوح المحفوظ ليس ظلماً للعباد؛ لأن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الله تعالى علم أن عبده فلاناً بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب وتمييزه بالعقل عن بقية الحيوانات والمخلوقات، وتركيب الهدى والضلال فيه والخير والشر؛ علم أنه إذا عرض عليه الخير يأنف منه ويمقته ويقدم على الشر، فلما علم الله تعالى أن عبده هذا سيختار الشر مع قيام الحجة عليه؛ كتب ذلك عليه، فلا غرابة ولا ظلم حينئذ.
[وقال ابن سيرين: يجري الله الخير على يدي من يشاء، ويجري الشر على يدي من يشاء] أي: أن الخير والشر بمشيئة الله تعالى، وأن الله تعالى شاء الشر، وأذن في وجوده وخلقه، وأن المرتكب لذلك والعامل والمباشر والمكتسب للشر والخير بجوارحه هو العبد.
[وعن عثمان البتي؛ قال: دخلت على ابن سيرين فقال لي: ما يقول الناس في القدر؟ قال: فلم أدر ما رددت به عليه، قال: فرفع شيئاً من الأرض فقال: ما يزيد على ما أقول لك مثل هذا، إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً وفقه لمحابه وطاعته، وما يرضى به عنه، ومن أراد به غير ذلك اتخذ عليه الحجة، ثم عذبه غير ظالم له].
يعني: من أراد به شراً أقام عليه الحجة بالكتب والرسل وبالعقل المميز، ثم أهلكه بعد ذلك غير ظالم له.