والشاهد من هذا: أن الخروج على الإمام في كل الأحوال خطره محقق ومحدق بالأمة من كل جانب نتيجة الخروج، وربما يفهم البعض أنني إذا تكلمت عن الخروج أن هذا يعني السكوت عن بيان الحق وفضح الباطل، فأقول: بل هاتان المسألتان متباينتان، فإن ترك الخروج لا يمنعنا من قول كلمة الحق وإظهار وجه الفساد، فهذه مسألة وتلك مسألة أخرى، فالخروج لا يقره عاقل لا في الولاية الشرعية ولا في الولاية الاستبدادية، وأما إظهار الحق ورد الباطل فيجب على كل الولاة وعلى كل إنسان، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(أفضل الجهاد كلمة حق -أو قال: كلمة عدل- عند سلطان جائر)، يعني: يحكم بالجور أو الظلم وتعدي الحد، والحد هنا هو حد الشرع، فإذا تعدى الحاكم أو السلطان أو الأمير أو الوالي حده الذي رسمه له الشرع فيجب إيقافه ممن وجب عليه إيقافه، وليس من كل أحد، وإنما من أهل العلم الذين أوجب الله تبارك وتعالى عليهم هذا الحق.
قال:(ومن ترك الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية، ومن قتل تحت راية عمية)، يعني: عصبية، كأن يقاتل لأجل بلدته أو لأجل عشيرته أو لأجل أن يقال: شجاع أو عملاق أو جريء، أو غير ذلك من هذه المصطلحات، فهذه كلها ما دامت ليست في الله عز وجل فكلها عمية وجاهلية.
قال:(ومن قتل تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو يغضب للعصبية فمات على هذه الحال فميتته جاهلية).