[الوجه الأول قراءة القرآن على لهجات عربية متعددة، وكفى الله المؤمنين مئونته]
[الأول: قد كان وزال وكفى الله المؤمنين مئونته، وذلك بفضل الله ورحمته، تم بجمع عثمان بن عفان رضي الله عنه الناس كلهم على إمام واحد باللغات المشهورة المعروفة؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان سأل الله عز وجل في القرآن فقال له: أقرئ أمتك على سبعة أحرف وكلها سيان -يعني: على سبع لغات العرب- كلها صحيحة فصيحة، إن اختلف لفظها اتفقت معانيها، فكان يقرئ كل رجل من أصحابه بحرف يوافق لغته، وبلسان قومه الذي يعرفونه، فكان إذا التقى الرجلان فسمع أحدهما يقرأ بحرف لا يعرفه وقد قرأ هو ذلك الحرف بغير تلك اللغة أنكر على الآخر، وربما قال له: حرفي خير من حرفك، ولغتي أفصح من لغتك، وقراءتي خير من قراءتك؛ فنهوا عن ذلك، وأقر الله عز وجل جميع هذه القراءات وقيل لهم: ليقرأ كل واحد منكم كما علم، ولا تماروا في القرآن فيقول بعضكم: حرفي خير من حرفك، وقراءتي أصوب من قراءتك، فإن كلاّ صواب، وكلام الله حق فلا تنكروه، ولا يرد بعضكم على بعض، فيكذب بالحق ويرد الصواب الذي جاء عن الله عز وجل، فإن رد كتاب الله والتكذيب بحرف منه كفر، فهذا أحد الوجهين من المراء الذي هو كفر قد ارتفع ذلك والحمد الله، وجمع الله الكريم المسلمين على الإمام الذي جمع المسلمون من الصحابة والتابعين على صحته وفصاحة لغاته، وهو المصحف الذي جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه المسلمين عليه، وترك ما خالفه، وذلك باتفاق من المهاجرين والأنصار وأهل بدر والحديبية الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وسأذكر الحجة فيما قلت، والله الموفق].
يذكر الحجة من حديث أبي بن كعب وهو في صحيح مسلم.
[قال أبي: (كنت في المسجد، فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر فقرأ خلاف قراءة صاحبه، فقمنا جميعاً فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: قلت: يا رسول الله! إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ خلاف قراءة صاحبه، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءا لي.
فقرءا.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أصبتما)]، مع أن كل واحد منهما قرأ قراءة تختلف عن قراءة الآخر، ومع هذا فقد صوبهما النبي عليه الصلاة والسلام، [(فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كبر علي ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقاً كأني أنظر إلى الله عز وجل فرقاً، ثم قال: يا أبي! إن ربي أرسل إلي فقال: أن اقرأ على حرف، قال: فوددت أن أهون على أمتي، فأرسل إلي: أن اقرأ على حرفين، فوددت أن أهون على أمتي فأرسل إلي: أن أقرأ على سبعة أحرف، ولكل ردة مسألة يسألنيها.
قال: قلت: اللهم اغفر لأمتي ثلاثاً، وأخرت الثالثة ليوم يحتاج فيه الخلق وحتى إبراهيم عليه السلام)].
هذا الحديث يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام شفع عند ربه رحمة بأمته في اختلافهم في القراءة، فأذن الله تعالى له أن يقرأ على حرفين، ثم يقرأ على ثلاثة حتى قال: فاقرأ على سبعة، وهذه هي القراءات المتواترة، وما دونها شاذ لا اعتبار به.
[وقال أبو جهيم: (إن رجلين اختلفا في آية من القرآن فقال هذا: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم عنها؛ فقال: إن القرآن يقرأ على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن مراءً فيه كفر)].
[وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة، فدخلت المسجد فقلت: أفيكم من يقرأ؟ فقال رجل من القوم: أنا، فقرأ السورة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقرأ بخلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! اختلفنا في قراءتنا فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف، فليقرأ كل امرئ منكم ما أقرئ)] أي: فليقرأ كل امرئ منكم ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم.
[وفي رواية أخرى عن ابن مسعود قال: (قلت لرجل: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية، فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقلت لآخر: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية، فأقرأني خلاف ما أقرأني الأول، فأتيت بهما رسول صلى الله عليه وسلم فغضب، وكان علي رضي الله عنه جالساً، فقال لهم: اقرءوا كما علمتم).
قال الشيخ ابن بطة: فهذا بيان المراء في القرآن الذي يخاف على صاحبه الكفر، وقد كفي المسلمون بحمد الله المراء في هذا الوجه بإجماعهم على المصحف، الذي من خالفه ند وشرد وشذ، فلم يلتفت إليه ولم يعبأ الله عز وجل بشذوذه].
فهذا الوجه الأول: الاختلاف في القراءة، وإنكار كل