ومن الأجزاء الموجودة لدينا من هذا الكتاب نستطيع أن نقول: إن ابن بطة قد جمع بين رواياته للأحاديث والآثار الواردة في العقيدة، وبين الرد على الفرق المبتدعة، وقد سلك في كتابه مسلكاً عظيماً في إثبات وجه الحق في القضية، وإثبات قول المبتدعة والرد عليهم، أو إثبات قول المبتدعة ثم ذكر الآثار الواردة عن السلف في حقيقة هذه المسألة.
وأظهر فساد ما عليه أهل البدع أصحاب الفرق الضالة، ثم بين الحق في هذه القضية، وذلك عن طريق رواية الأحاديث والآثار الواردة في إبراز وبيان حقيقة عقيدة السلف الصالح في هذه القضية، وهذا مسلك عظيم جداً، فالرد العلمي هو إظهار فساد فكر المخالف ثم إثبات الحق بأدلته.
والفرق بين ضُلاَّل زمانهم وضُلاَّل زماننا كما بين السماء والأرض، ضُلاَّل زمانهم كانوا يتصورون أنهم أصحاب حق، فـ واصل بن عطاء، لما أتى رجل وسأل الحسن البصري وهو في المسجد الكبير في البصرة، فقال: يا إمام في مرتكب الكبيرة؟ وواصل بن عطاء تلميذ من تلاميذ الحسن البصري، لكن ليس من حقه أن يتكلم في حضرة الإمام، فتكلم قبل أن يتكلم الحسن البصري فقال: هو في منزلة بين المنزلتين، وهو في الدنيا لا مؤمن ولا كافر، وفي الآخرة من المخلدين في النار.
ولم يكتف بذلك، بل استند إلى ركن من أركان المسجد، وأفتى أصحاب الأهواء والأمراض الفتاكة، وجلسوا مع واصل في حلقة في نهاية المسجد، فقال الحسن البصري: لقد اعتزلنا واصل، فسموا من هذا الوجه المعتزلة، والعار ينتابهم إلى قيام الساعة، وأصل البدعة أن واصلاً تخلى عن الأدب بين يدي شيخه، ولو انتظر حتى يسمع الجواب فلربما هداه الله عز وجل.
ولكنه تكلم بهذا الفقه بغير إذن فصار العار ينسب إليه إلى قيام الساعة؛ أنه أصل البلاء والاعتزال.