[الالتزام على منهج صحيح من أعظم النعم على العبد]
قال: [إن من نعمة الله على الشاب إذا تنسك أن يوافي صاحب سنة يحمله عليها]، ولذلك ورد عن كثير من السلف أنهم قالوا: لا ندري أي الاثنتين أعظم: أن من الله علينا بالإسلام، أو أن جعل لنا في الإسلام سنة؟ وهذا كلام جدير بأن يكتب بماء الذهب، وبلا شك فإن الإسلام أعظم وأجل، لكن هذا كلام خرج مخرج بيان أفضلية اتباع الحق، أو المبالغة في إثبات أن الحق أولى بأن يتبع.
ولذلك فإن من أعظم نعم الله على الشاب أنه إذا التزم التزم على يد دعوة صحيحة سليمة لا شك فيها، وهنا أصحاب الأهواء يكثرون التدخل والجدل من جماعة إلى جماعة، ومن طائفة إلى طائفة، ومن فرقة إلى فرقة، بخلاف من وفق أولاً إلى طريق السلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم، وهذا بخلاف الآخر، فقد مر على جماعة واثنتين وثلاث وأربع وعشر، وفي كل جماعة يدرس ولم يقتنع، فيتحول إلى جماعة أسوأ، منها حتى استقر به المقام على منهج السلف بعد أن بلغ من العمر أرذله.
وعلى أي حال فمن الخير أن يختم له بالعمل الصالح وبمنهج سليم.
قال: [من نعمة الله على الشاب والأعجمي إذا نسك أن يوافق لصاحب سنة يحملهما عليها؛ لأن الأعجمي يأخذ فيه ما سبق إليه]، وليس الأعجمي فقط فكذلك العربي، والأعجمي هو كل إنسان لا يحسن اللسان وإن كان عربياً، والعربي هو كل من يحسن العربية وإن كان أعجمياً.
لذا فهو يريد أن يقول: إن العجم الذين لا يفهمون العربية، يتبعون في الغالب من يدعوهم إلى الإسلام، فإذا دعاهم الشيعة دخلوا في الإسلام على مذهب الشيعة، وإذا دعاهم الخوارج دخلوا في الإسلام على مذهب الخوارج، وأنا أقول: وهكذا العوام الذين لا علاقة لهم بدينهم ولا بالعلم الشرعي، فأول من يدعوهم إلى الالتزام يتبعونه، وأنتم ترون أن هذه الجماعات المترنحة على الساحة، إذا دعت إنساناً لا علاقة له أصلاً بالعلم الشرعي ولا بالدعوة، فإنما يكون مذهب هذا المدعو هو مذهب من دعاه، ويصعب جداً خلعه من هذا المذهب؛ لأنه يرى أن لهؤلاء الفضل عليه بعد أن كان غارقاً في أوحال المعصية، ولا شك أن هذا خير، لكن ليس هو الخير المحض، بل هو خير فيه شر.
ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: إن من لقي الله تبارك وتعالى ممن دعي إلى الإسلام على منهج الخوارج، خير له من أن يلقى الله تعالى كافراً كفراً بواحاً، وإن من لقي الله تبارك وتعالى من الروافض -أي: أسلم على مذهب الروافض- خير له من أن يلقى الله تعالى كافراً كفراً بواحاً.
وهذا الكلام في غاية المتانة، وهو كلام محترم جداً، لكن ليس معنى ذلك أنه يدعو للرفض أو للخروج أو غير ذلك، وإنما نقول كما قال ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل العلم: إن من لقي الله تبارك وتعالى على بدعة أو معصية خير من أن يلقى الله تعالى كافراً كفراً بواحاً؛ لأن الكافر مخلد في النار بخلاف صاحب البدعة، فإن لم تكن مكفرة فإنه لا يخلد في النار، بل إذا دخلها خرج منها لا محالة.
ولذلك يقول: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يوافي صاحب سنة -أي: أن يصاحب صاحب سنة- يحمله عليها ويدعوه ويلهمه بها.
[وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه -أي: ارج خيره- وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإن الشاب على أول نشوئه]، حتى ولو تاب، فإنك لو أتيت إلى صاحب بدعة في هذا الوقت قد تاب منها، فتنظر إليه فتجده لا يزال واقفاً على أشياء كبيرة ظاهرة فيه.
وأذكر أنه في سنة (١٩٨١م) كان هنا شخص من إيران يدرس في كلية دار العلوم، وهو شيعي رافضي، وكان صاحباً لي، فزارني في بيتي في المنصورة ذات يوم بعد أن ترك مذهب الرفض عاماً كاملاً، وتفقه عندي أكثر من عشرين يوماً، وكنا نتدرب على مصطلح الحديث، فقلت له: ماذا تقول في ثورة الكذاب الخميني؟ قال: الخميني ليس بكذاب، إنما الكذاب أبو بكر وعمر! وقال: لا يسب أحد الإمام الخميني ونتركه! فقلت له: ألم تدع مذهب الرفض؟ قال: نعم، لكن الذي تتكلم به غيبة على الخميني، فقلت له: وأنت قابلت غيبة الخميني بالطعن في هذين الإمامين العظيمين؟ قال: وهل إمامة أبي بكر وعمر محل اتفاق عند أهل السنة؟ قلت: نعم محل اتفاق عند أهل السنة، قال: لا، أهل السنة إمام إيران! فتأمل رجوعه، رجع إلى الحور بعد الكور، مرة أخرى لمجرد أنك طعنته في مشاعره، إذ إنه أول ما يسمع الخميني يقول لك: إلا هذا! ونترك العجم ونتكلم عن العرب: جماعة التكفير -وهم خوارج العصر- يجمعون أنفسهم إلى الآن بعد أن دخلوا السجون وخرجوا منها، وتجدهم جميعاً على قلب رجل واحد، وإذا دخل بينهم رجل لم يكن منهم حاولوا جاهدين خلعه كما يخلع أحدنا ضرسه؛ لأن ولاءهم لبعضهم وليس لغيرهم، وهكذا كل صاحب بدعة لا تزال البدعة تؤثر وتعمل في قلبه عملاً عظيماً وإن تظاهر بغير ذلك، ونحن لا ننفي قط