[حديث علي بن أبي طالب: (المتمسك بدينه في الهرج له أجر مائة شهيد)]
قال: [ومن رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المتمسك بسنتي في دينه في الهرج -أي: في الاختلاط والفتن والقتل- له أجر مائة شهيد)].
وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أنه يشهد له ما أخرجه مسلم من قوله عليه الصلاة والسلام: (العبادة في الهرج كهجرة إلي)، أي: العبادة في القتل والفتن تعادل في الثواب هجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي: إلى الله عز وجل: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله).
قال: (العبادة في الهرج) ولم يقل: المشاركة في الهرج؛ ولذلك أنصح الشباب أنه لا يخلو عصر من العصور من فتن وخلافات وإشكاليات ومنازعات وخصومات بين الأكابر والدعاة والشيوخ، وربما يكون الحامل على ذلك الغيرة على دين الله عز وجل، وربما يكون الحامل على ذلك العزة بالإثم، وربما الحامل على ذلك الحسد، وربما يكون الحامل هو الإحراج من الإقرار بالخطأ وغير ذلك من الأسباب.
ويقول ابن عباس: كلام الأقران يطوى ولا يروى، أي: كلام الأقران الذين هم في منزلة واحدة ورتبة واحدة من العلم، فإذا تكلم بعض أهل العلم في البعض الآخر فيجب عليك أن تطويه ولا ترويه، ولا تشهر به، ولا تعتبره حجة على الخصوم والأقران في الناحية الأخرى، وإنما يجب عليك ألا تلتفت لمثل هذا، بل خذ الحق من كل من جاء به، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، ورد الباطل على كل من جاء به وإن كان إماماً من أئمة المسلمين.
ولذلك يحدث لكثير من الشباب في هذا الزمان في هذا البلد وفي غيره؛ أنهم يتلقفون بعض السوءات والعورات التي تحدث من بعض الشيوخ، فيشعلونها ناراً وفتناً، ثم يشغلون أنفسهم بها، وهم بعد لم يتعلموا ما أوجب الله تعالى عليهم وفرض عليهم من صلاة وصيام وزكاة وحج وطهارة وغير ذلك.
وبئس ما تشغل المرأة به نفسها حينما تقول: أنا لا أدري أي الناس على الحق: فلان أو فلان؟ وهي بعد لم تتعلم كيف تخرج من بيتها، ولا تعرف إذا غسلت ولدها ومست عورته ما الذي يجب عليها، وإذا سألتها في أصول دينها تقول: ليس هذا الآن مهماً، المهم الآن أن نعرف أي الفريقين على الحق، وأي الفريقين أحق بالأمن، عجيب! والناظر في كلام أهل العلم يرى عجباً؛ يرى أهل العلم عندما صنفوا كتبهم إنما قدموا في أول كتبهم شرائع الإسلام، تكلموا عن العلم والإيمان، ثم تكلموا عن التوحيد والإخلاص لله عز وجل، وتكلموا عن الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج؛ والنكاح والطلاق، والرضاع والديون والكفارات، والأيمان، والنذور، وحينما ينتهون من ذلك قالوا: كتاب الفتن.
لكن الشباب اليوم يبدءون من حيث انتهى أهل العلم، فهذا يدل على أن النهج الذي سلكه طلاب العلم الآن نهج غير سديد.
يقول الإمام الذهبي نقلاً عن أبي علي الأبار أنه قال: نزلت بالأهواز يوماً فوجدت رجلاً قد حف شاربه، وأخذ عصاً في يده، واشترى كتباً، وتعين للفتوى أي: فرض على نفسه الفتوى، وقال للناس: الفتوى في حقي فرض عين، أرأيتم من الذي عينه؟ هو الذي عين نفسه، وللأسف الشديد أن الدعاة والشيوخ في هذا الزمان يعينهم تلاميذهم وأبناؤهم، بخلاف منهج السلف، فإن الواحد منهم ما كان يتكلم بشيء من العلم إلا إذا زكاه غير واحد من مشايخه، وممن تخرج هو على أيديهم ودرس عنده الكثير.
أما اليوم فإن شباب الصحوة هم الذي يرفعون فلاناً ويخفضون آخر، أمور كلها معكوسة، ومع هذا تدعي الصحوة أنها صحوة السلفية، وأنها صحوة مباركة، نعم هي سلفية ومباركة في جوانب، ولكنها في جوانب أخرى لابد أن تراجع حساباتها من الآن قبل فوات الأوان.
قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي)، ولذلك الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثهم عن الفتن ماذا يفعلون، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كونوا أحلاس بيوتكم)، والحلس: هو الذي يكون ملازماً وملاصقاً لعقر داره، يعني: لا يكفيك تماماً أنك تقف أمام بيتك وتلصق ظهرك به، بل لابد أن تكون داخل البيت وفي أصغر مكان في البيت، وهذا للمبالغة في الابتعاد عن الفتن، ولزوم النهي عن الخوض فيها، أنسيتم قول النبي عليه الصلاة والسلام في الفتنة: (كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.
قالوا: ماذا نصنع يا رسول الله؟! قال: كن كخير ابني آدم)، يعني: أنا بإمكاني أن أكون قاتلاً، فإذا دعا الأمر إلى القتل إما أن أكون قاتلاً أو مقتولاً ولا خيار ثالث لي، فعند ذلك أترك سبب الفتنة مكتوفة يداي حتى أقتل، فألقى الله تعالى كما لقيه أفضل ابني آدم حيث قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة:٢٩]، وأما أنا فلا أريد أن أكون من أصحاب النار.
وهذا الكلام لا يكون إلا في الفتنة، أما في الأحوال العادية فقد شرع الشارع الدفاع عن النفس ودفع الصائل، وإذا كان