قال:[عن الأوزاعي قال: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له: سوسن -وربما يكون سيسويه أو سنسويه، وهو اسم فارسي معرب إلى سوسن - وقد كان نصرانياً فأسلم -أي: أثناء فتح العراق- ثم تنصر -أي: ارتد عن دين الإسلام- فأخذ عنه معبد الجهني -وبئس المعبد هو معبد الجهني -، وأخذ غيلان عن معبد]، أي: غيلان الدمشقي.
[وعن يونس بن عبيد قال: أدركت البصرة وما بها قدري إلا سيسويه، ومعبد الجهني، وآخر ملعون في بني عوانة].
وقوله:(وآخر معلون) هذا اللعن إنما جاء على حكم سابق عليه وهو التكفير، وإذا قرأت في كتاب أصول الاعتقاد للإمام اللالكائي في هذا الباب: باب أول من أنشأ بدعة القدر؛ لوجدت لعناً وسباً لـ سنسويه ومعبد الجهني وغيلان الدمشقي وسائر من تكلم في مسألة القدر وغيرها من مسائل الابتداع العظيمة، وقد أنكر علي بعض أهل العلم -ومنهم شيخنا الشيخ مصطفى محمد شيخ حلوان- أني لعنت معبداً في محاضرة من المحاضرات، وقال: لا يجوز لعنه، فأرسلت إليه بكتاب الإبانة لـ ابن بطة وكتاب أصول الاعتقاد للالكائي في نفس الباب، وقد سبه أكثر من عشرة من أهل العلم ولعنوه لعناً صريحاً بقولهم: لعنة الله على معبد، وقولهم: الملعون، وقولهم: معبد لعنه الله، وغير ذلك من ألفاظ اللعن المختلفة التي انصبت من سلف الأمة على هذا الرجل، ولا يلزم من اللعن الكفر، كما أنه لا يلزم من القتل الكفر، وربما يقتل الرجل لبدعة عظيمة ابتدعها طار شررها، وعظم خطرها في الأمة، فيقتل من باب المحافظة على الأمة، ولخطورة البدعة، لا لكونه كافراً.
وخالد بن عبد الله القسري -رحمه الله- لما خطب خطبة عيد الأضحى نزل من على المنبر وقال: ضحوا أيها الناس! تقبل الله منا ومنكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم، فلما سئل خالد القسري عن الجعد بن درهم أكافر هو؟ قال: لا، مع أنه ذبحه ذبحاً كما تذبح الشاة في أصل المنبر والناس وفرة في هذا الوقف في صلاة العيد، وما أنكر عليه أحد؛ لبدعته العظيمة جداً والقصيرة جداً التي انتشرت في الناس، وجل السلف كفروا هؤلاء.
ثم إن سوسن قد ارتد واختار طريق الكفر، وأما معبد الجهني فعامة السلف على تكفيره، وعلى تكفير أئمة الضلال في كل بدعة من البدع، وفي كل فرقة من تلك الفرق.
قال ابن عون: أدركت البصرة وما بها أحد يقول هذا القول -أي: في القدر- إلا رجلان ما لهما ثالث معبد الجهني، وسيسويه، وكان محقوراً ذليلاً].
أي: كان طريداً لا يعبأ به أحد، [وهذه القدرية والمعتزلة كذبوا على الحسن -وهو إمام السنة الإمام الحسن بن أبي الحسن البصري أبي سعيد - ونحلوه ما لم يكن من قوله]، يعني: نسبوا إليه كلاماً ليس من قوله.
قال:[قد قاعدنا الحسن وسمعنا مقالته، ولو علمنا أن أمرهم يصير إلى هذا لو أثبتناهم عند الحسن رحمه الله، وليكون لأمرهم هذا غب -أي: خطر-، وإني لأظن عامة من أهل البصرة إنما يصرف عنهم النصر لما فيهم من القدرية].
يعني: أن النصر ليس حليف أهل البصرة لما فيهم من القول بالقدر، وهذا يدل على أن صاحب البدعة لا ينصر حتى يدع بدعته، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته).