[حديث أبي هريرة (لا ترغبوا عن آبائكم)]
قال: [قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ترغبوا عن آبائكم)، أي: لا تزهدوا في النسبة إلى آبائكم الشرعيين.
[(فإنه من رغب عن أبيه فإنه كفر به).
والحديث رواه الشيخان، يعني: كفر بذلك، وهذا كفر عملي، والكفر العملي إن استحله المرء بعد قيام الحجة عليه وبلوغ العلم إليه خرج عن ملة الإسلام.
والمهاجرون إلى أوروبا وأمريكا في أيامنا هذه يسعدهم ويشرفهم جداً أن يتخلصوا من نسبهم تماماً، فبعد أن كان اسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم بن زيد يصبح اسمه هناك كذا ابن كذا، ويتسمى باسم إنجليزي أو أمريكي يشتهر في البلاد التي نزل فيها، وهذا يكون عند أخذ ما يسمى عندهم الكرت الأخضر أو التأشيرة النهائية أو الرخصة أو الجنسية، فيحلو له أن يغير اسمه تماماً، ثم إذا نزل في مطار القاهرة وسئل عن اسمه قال: اسمي ماركو بن شارون.
وهذا دمه خفيف، ويعرف في أي مكان.
فالتسمي بغير الأسماء الحقيقية في النسب هي رغبة عن النسبة للآباء الشرعيين، وفاعل هذا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه قد قامت عليه الحجة، فيكون كفراً أكبر.
قال الحافظ في شرح هذا الحديث: المراد من استحل ذلك، يعني: المراد أنه كافر كفراً مخرجاً من الملة إذا استحل ذلك مع علمه بالتحريم، أي: أنه إذا استحل ذلك مع قيام الحجة عليه وأصر عليه فإنه يكفر به ويقتل.
قال: أو المراد كفر النعمة، وظاهر اللفظ غير مراد، وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلاً هو شبيه بأفعال الكفار فنسب إليهم ولم يكن منهم.
وقال النووي في شرح هذا الحديث: له تأويلان: أحدهما: أنه في حق المستحل، يعني: يكفر به ويخرج من دائرة الإسلام، والثاني: أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه، وليس المراد الكفر الذي يخرج به من الملة.
وإذا كان مستحلاً مع قيام الحجة عليه وبلوغ العلم إليه كفر كفراً أكبر.
وإذا كان هذا النص على ظاهره ليس مراداً فيحمل على أنه كفر النعمة والإحسان، ويعني: الكفر بحق الله تعالى وحق الأب.