[نقل النووي لكلام البغوي في معنى الإسلام والإيمان]
وقال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي رحمه الله في حديث سؤال جبريل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام وجوابه، قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال.
يعني: الإسلام يطلق على أعمال الجوارح، وهي الأعمال الظاهرة التي يعملها المرء بجوارحه.
قال: وجعل الإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد؛ لأنه قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالجنة والنار، والبعث بعد الموت، والجزاء والصراط، والثواب والعقاب، وبالقدر خيره وشره)، وهذه الأعمال من أعمال القلب.
إذاً: جعل النبي عليه الصلاة والسلام أعمال الإسلام هي الأعمال الظاهرة المتعلقة بالجوارح، وأعمال الباطن أعمال القلب المتعلقة بالإيمان، لا ينفي أن يكون المؤمن مسلماً؛ لأنه إذا آمن وعقد قلبه على شعب الإيمان فلابد أن يظهر هذا على جوارحه، وإذا أقر المسلم أو جاء المسلم بشعب الإسلام وخصاله ومبادئه، فلابد أن يكون ذلك مبنياً على حب الإيمان الذي في قلبه.
وخلاصة القول في ذلك: بين الإيمان والإسلام عموم وخصوص، فلابد أن يكون لكل مسلم أصل الإيمان أو مطلقه حتى يثبت إسلامه لا أقول يثبت إيمانه؛ أما الذي حقق الإيمان الكامل فقد حقق الإسلام من باب أولى.
قال: وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين.
يريد أن يقول: إن الدين هو عبارة عن الإسلام والإيمان والإحسان.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، فالدين يطلق ويراد به الجزاء، وقد يراد به العمل أيضاً، كما قال الله تعالى: {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:١٨] أي: ما يوم الجزاء.
وقال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] والدين هنا بمعنى العمل، وقال الله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣]، وقال تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] أي: يوم الجزاء، وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا} [آل عمران:٨٥] أي: عملاً يتقرب به إلى الله، {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].
فأخبر سبحانه وتعالى أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام، ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل، وهذا هو الدين الحق الذي أرسل الله تعالى به رسوله؛ أن يترجم التصديق القلبي إلى عمل الجوارح.
هذا آخر كلام البغوي.