[كلام مالك وزيد بن أسلم في القدرية]
قال: [وقال مالك: ما أضل من كذب بالقدر].
أي: ليس هناك ضلال من التكذيب بقدرة الله عز وجل، ولذلك الإمام أحمد بن حنبل لما سئل: عن القدر ما هو؟ قال: القدر هو قدرة الله عز وجل، وكل شيء في قدرة الله حتى الإيمان والكفر.
قال: [لو لم تكن عليهم فيه حجة إلا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:٢]].
أي: جعل منكم مؤمناً وجعل منكم كافراً.
قال: [وعن زيد بن أسلم قال: والله ما قالت القدرية كما قال الله عز وجل، ولا كما قالت الملائكة، ولا كما قال النبيون، ولا كما قال أهل الجنة، ولا كما قال أهل النار، ولا كما قال أخوهم إبليس.
إذ إن إبليس أخو القدرية]، والدليل على أنهم لم يقولوا كما قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩]، فما من إنسان يشاء إيماناً إلا لابد أن يكون الله تبارك وتعالى قد شاء له الإيمان، وما من إنسان يريد كفراً إلا قد سبق علم الله في إرادة الكفر لهذا الإنسان.
وقالت الملائكة: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:٣٢]، أي: ننزهك يا رب! عن كل نقص، ونصفك بكل كمال، ومنه العلم، فالله تبارك وتعالى عليم، وعلام الغيوب سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:٣٢]، أي: نسبوا العلم إلى الله عز وجل.
بينما القدرية قالوا: لا قدر وأن الأمر أنف، وهناك حديث في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر، قال معبد الجهني: لا قدر وأن الأمر أنف، أي: لا يوجد شيء اسمه قدر؛ لأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، أما قبل وقوعها فلا يعلم شيئاً، وهذا معنى قول القدرية: وأن الأمر أنف، أي: مستأنف، وهذا كفر بواح، ولذلك قال عبد الله بن عمر لـ حميد بن عبد الرحمن، ويحيى بن يعمر البصريان: فإذا لقيتموهم فأخبروهم أني بريء منهم، وهم برآء مني، قال النووي عليه رحمة الله: وكلام عبد الله بن عمر ظاهر في تكفيرهم، وأجمع أهل السنة والجماعة على أن منكر مرتبة العلم ومرتبة الكتابة كافر بلا نزاع.
وقال شعيب عليه السلام، وهو قول الأنبياء: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا} [الأعراف:٨٩]، أي: لا يمكن أن نرجع إلى ما كنا عليه قبل النبوة والرسالة من ضلال إلا أن يشاء الله ربنا.
وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣]، فنسبوا الهداية لله عز وجل.
وقال أهل النار: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون:١٠٦].
وقال أخوهم إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر:٣٩]، أي: اعترف بربوبية الله عز وجل، كما اعترف أن هذا الرب يملك القدر، والإغواء، والضلال، وأن الله تعالى أراد ذلك لإبليس، وأن إبليس مهما أراد الضلال فإنه لا يملكه إلا أن يأذن الله تعالى بوقوعه.