للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج أصحاب الكلام تجاه المخالف]

قال: [قال حسن بن عبد العزيز الجروي: كان الشافعي ينهى النهي الشديد عن الكلام في الأهواء، ويقول: أحدهم إذا خالفه صاحبه قال: كفرت، وإنما يقال فيه: أخطأت].

يريد أن يقول: إن أهل السنة -وهذا كلام قرره شيخ الإسلام ابن تيمية مراراً- أرحم من أهل البدعة بعضهم ببعض، فأهل السنة لهم حد يقولون فيه: لا يكفر من أصحاب الفرق الضالة إلا الغلاة الذين خرجوا عن أصول الديانة، أو بدلوا وحرفوا في دين الله عز وجل أو في هذه الأصول، وأما عامة أصحاب الأهواء والضلالات؛ فإنهم لا يكفرون بهذا.

وهذا بلا شك غاية الاعتدال من أهل السنة والجماعة، لكن لو تأتي الآن وتنظر إلى أهل البدع أنفسهم ماذا يقولون فينا؟ فالشيعة مثلاً هل يحكمون لنا -أهل السنة- بالإسلام؟

الجواب

لا، بل نحن جميعاً عن بكرة أبينا -جاهل وعالم- عندهم كفار وصابئة، حتى إنهم لا يسموننا قط أهل السنة، وإنما يسموننا: الصابئة أو الناصبة، وليس لنا عند الشيعة إلا هذان الاسمان: الصابئة أو الناصبة، وهذا مشعر بالكفر، فضلاً عن أنه في لحظة صدق وصراحة يصارحونا بهذا، لكن لما كان دينهم التقية والكذب والنفاق؛ فإنهم يخفون هذا في غالب أحوالهم وأوقاتهم.

وليس الأمر يقف عند ذلك، بل أكثر من ذلك، فإذا اختلف أهل البدع مع بعضهم البعض لم يقل أحدهم في صاحبه: إنك أخطأت، وإنما يقول له: إنك كفرت؛ ولذلك فالأحكام عند القوم: إيمان وكفر، ولا يعرفون طريقاً للفسق، وإنما عندهم -خاصة الخوارج- أن من ارتكب معصية فقد كفر بها، وغلاتهم يكفرون بالمعاصي كلها: صغيرها وكبيرها.

فالواحد منهم لا يقول لمن عصى: لقد عصيت، أو فسقت، أو أخطأت، وإنما يقول له: لقد كفرت، وليس هذا فحسب، بل إذا وقع الواحد منهم -ممن يصدرون الأحكام على الآخرين- في معصية كفر نفسه، وحكم على نفسه بالكفر، وألزم نفسه الدخول في الإسلام من جديد، وإننا نعلم أناساً كثيرين يعيشون بيننا في هذه الأيام وفي هذا العصر، بل وفي هذه المدينة يطلِّق الواحد منهم امرأته لمعصية وقع فيها؛ ظناً منه أنه انتقل من الإيمان إلى الكفر، وبالتالي لا تحل له امرأته حتى يشهد من جديد، ويعقد عليها عقداً جديداً بمهر جديد، وغير ذلك مما يلزم العقد الشرعي من ولي وشهود، وغير ذلك من سائر شروط أحكام العقد الشرعي الصحيح.

وأما أهل السنة فهم أرحم بأهل البدع من رحمة أهل البدع بعضهم ببعض، كيف لا وهم امتداد للنبي عليه الصلاة والسلام الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين: لعالم الإنس والجن، للأبيض والأسود، للأعجمي والعربي، فقد نهج أهل السنة نهجه عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم مأمورون باتباعه، والتخلق بأخلاقه عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨].

فإذا كنا حقاً نتابع النبي عليه الصلاة والسلام؛ فلا بد أن نتمثل أخلاقه، وآدابه، وأحكامه، وطريقته، ومنهجه، وكل ما يتعلق بأمر الدين والدنيا مما ورد إلينا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في كتاب الله، أو في سنته الصحيحة.