[ما أمر الناس به من ترك البحث والتنقير عن القدر والجدال والخوض فيه]
قال: [الباب الثالث: ما أمر الناس به من ترك البحث والتنقير في مسائل القدر، والخوض والجدال فيه.
عن أبي ذر قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتذاكرون شيئاً من القدر، فخرج مغضباً كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: أبهذا أمرتم؟! أوما نهيتم عن هذا؟ إنما هلكت الأمم قبلكم في هذا، إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا)].
فهذه الثلاثة لا يحل لأحد أن يخوض فيها، والنجوم ليس لنا منها إلا معرفة الأوقات والشهور وحساب الزمان ومعرفة الطرق وغير ذلك، وأما استخدامها في السحر والعرافة والشعوذة فهذا شرك بالله عز وجل.
وأما الصحابة رضي الله عنهم فنذكرهم بكل خير، ونتجاوز عن كل ما كان دون ذلك بينهم، فهم أولاً وآخراً بشر يجري عليهم ما يجري على البشر، وهم أفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين، ومذهب أهل السنة عامة الإمساك عما شجر بين الصحابة، وعدم ذكر ذلك إلا لعالم يريد أن يذكر معتقد أهل السنة والجماعة في مثل هذا، ونعتقد أنه إذا كان قد بدر منهم شيء يشين في الظاهر فلهم من الفضل والعلم والعبادة والجهاد وغير ذلك أمثال الجبال مما يكفر ما قد ورد مما كان بينهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
[وعن أبي هريرة قال:(خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى أحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان، ثم أقبل علينا فقال: أبهذا أمرتم؟! أم بهذا أرسلت إليكم؟! -وهذا سؤال استنكاري- إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر -أي: في القدر- عزمت عليكم -أي: أوجبت عليكم- ألا تنازعوا فيه).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - عمرو بن العاص - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر؛ هذا ينزع آية وذاك ينزع آية -يعني: هذا يأتي بآية يثبت فيها القدر، وذاك يأتي بآية ينفي فيها القدر- فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(أبهذا أمرتم؟! أبهذا وكلتم؟! تضربون كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فاجتنبوه)].