فهذه الآية أثبتت قدر الخير وقدر الشر، وأثبتت المشيئة الشرعية الدينية والمشيئة الكونية القدرية، قال الله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الأنعام:١٢٥]، هذه إرادة شرعية دينية، ومبناها على المحبة والرضا.
فقوله:{أَنْ يَهدِيَهُ}[الأنعام:١٢٥]، هذه هداية.
وقوله:{يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الأنعام:١٢٥] يعني: يقبل الإسلام فيكون مسلماً، والإسلام محبَّب إلى الله تعالى، وقد أمر الله به، وألزم العباد به، وإرادته الإسلام للعبد مبناها على المحبة والرضا، إذاً: فهذه مشيئة شرعية وإرادة شرعية.
والإرادة الثانية:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ}[الأنعام:١٢٥]، والضلال لا يحبه الله، والذي خلق الضلال هو الله! لأنه لا خالق إلا الله.
{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ}[الأنعام:١٢٥] فهو الذي يجعل، {صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام:١٢٥] يعني: روحه تصعد، أي: ومن أراد الله تعالى له الضلال أضله حتى جعل صدره ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء.
إذاً: الذي أراد الهداية هو الله، والذي أراد الضلال هو الله، والذي خلق الهداية والضلال هو الله.
والله تعالى أذن في وجود الضلال وفي خلق الضلال، ولكن الله تعالى حذر منه، وتوعد عليه بالنار والعذاب والعقاب، وهذا الضلال مبغض إلى الله، والله تعالى يمقته ويغضب عليه ويسخط منه، ولأجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل عليهم الكتب؛ لأجل أن يهرب الخلق من الضلالة إلى الهداية.
والله تعالى بعلمه الأزلي علم أن بعض العباد مع إنزال الكتب وإرسال الرسل لا يَقبلون الإسلام، وإنما يُقبلون على الضلال، فخلقه لهم، أي: أذن في وقوع الضلال لهؤلاء؛ لأن الله تعالى بعلمه الأزلي السابق علم أنهم لا يقبلون هداية الإسلام، وإنما يَقبَلون ويُقبِلون على الضلال؛ فخلق الله بعلمه الأزلي السابق الضلال، وخلق كذلك بعلمه الأزلي السابق الهدى، وكل ميسر لما خلق له.