[حديث سفيان الثقفي: (قل آمنت بالله ثم استقم)]
قال: [وعن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً)] يعني: قل لي قولاً واحداً لا تكثر علي، وهذا القول يكون جامعاً للخير مانعاً لدخول الغير فيه.
[فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (قل: آمنت بالله ثم استقم)].
فقوله: (قل: آمنت بالله) يشتمل على العمل والإخلاص، (ثم استقم) على منهاج النبوة.
هذا الحديث من أقل الأحاديث مبنى وأعظمها معنى، هذا الحديث يشبه فاتحة الكتاب، فأنتم تعلمون أن فاتحة الكتاب شملت الدين كله، ومن لم يعلم ذلك فعليه بكتب ابن تيمية وابن القيم، فهما من أعظم النعم على هذه الأمة، فإنه من تمسك بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لكفى ذلك طلباً للعلم الشرعي، فإنك عندما تقرأ لـ ابن تيمية وابن القيم مهما كانت بك من بلايا ورذائل ونقائص تزال بإذن الله، فإن الآفات الموجودة في الأمة كلها مردها إلى أمرين: شبهة وشهوة، والشبهة تزال بالعلم، ولذلك إذا اعترتك شبهة وذهبت إلى شخص ليزيلها لا يزيلها، لكن إذا ذهبت إلى عالم أزالها، وإذا اعترتك شهوة فإنك تزيلها بسؤال أهل العلم وبتقواك وورعك، إذاً: الأمور كلها والأمراض كلها مردها ومدارها على أهل العلم، إما شبهة وتزال بجواب أهل العلم، وإما شهوة وزوالها بالتقوى والورع.
فهذا ابن تيمية ليس له توسع في السياسة، فهو رجل من أهل العلم فقط، ومع ذلك تعرفون موقفه من التتار، وكان رجلاً شديداً، بل لم تنجب الأمة في الشدة بعد عمر إلا ابن تيمية.
والعجيب أن كل من صنف في ابن تيمية ممن عاصره أو ممن أتى بعده قال: ما تكلم ابن تيمية في فن أو في علم من العلوم إلا وقال السامع أو القارئ: لا يحسن هذا الرجل إلا هذا الفن، يعني: بلغ الغاية في كل فن، وكان ابن تيمية إذا تكلم في الزهد والرقائق صدع القلوب.
وأنتم تعلمون أنه إذا ذكر الوعظ والزهد ولغة القلوب فزعيم ذلك ابن القيم، وابن القيم إنما استقى ذلك من شيخه ابن تيمية.
فإذا كان مرد الآفات كلها في دين الله إلى الشبهة والشهوة، فإنما يكفيك وحسبك من دينك وعلمك وورعك أن تقرأ لهذين الإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم.
[قال: (قل لي يا رسول الله! في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك.
قال: قل: آمنت بالله ثم استقم)].
[وقال سلام بن مسكين: كان قتادة إذا قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:٣٠] قال: إنكم قد قلتم: ربنا الله].
إن قتادة من أئمة أهل البصرة في زمن التابعين، كان إذا تلا هذه الآية: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا))، يقول لأصحابه: إنكم تقولون: ربنا الله.
إذاً: لم يبق إلا الاستقامة، وهذا كان منهجاً لأهل العلم عليهم رحمة الله.
يذكر أن إسماعيل بن عياش ضحك طالب في مجلسه، وكان لا يسمح أن يضحك طالب في مجلس العلم، فقال إسماعيل للطالب: أتضحك وأنت تطلب العلم؟ فقال الطالب: إن الله تعالى هو الذي أضحك وأبكى، فقال إسماعيل: إن كنت قد ضحكت فابك، لماذا تأخذ من الآية الضحك فقط؟ ونحن نوقن أن الله تعالى هو الذي أضحك، لكنه كذلك هو الذي أبكى، فلم يبك الرجل، قال: إما أن تبكي وإلا فلن أحدثكم شهراً، فكان البكاء صعباً، إذ كيف يجمع بين الضحك والبكاء في مجلس واحد؟ فحين لم يستطع البكاء قام إسماعيل بن عياش وما دخل مجلس العلم -وكان يحضره ثلاثون ألفاً- إلا بعد مرور شهر.
فأول شيء الأدب ثم العلم، وكم من إنسان تعلم العلم ولم يتعلم الأدب فلم ينتفع أحد بعلمه، كما يقول الحسن البصري رحمه الله: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.
وقيل للشافعي: كيف شهوتك للأدب؟ قال: أسمع بالحرف منه فأود لو أن كل جوارحي آذان فتنعم به.
قيل: كيف طلبك إياه؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره.
يعني: امرأة لديها ولد فتاه وضاع، كيف تطلبه هذه المرأة؟ لابد أنها تطلبه بجنون.
فكذلك الشافعي رحمه الله هو سيد المؤدبين في زمانه، يسمع بالحرف من الأدب فيرحل له الأقطار في طلبه، ولذلك كتب الله تبارك وتعالى له الذكر والثناء الحسن الجميل في الدنيا والآخرة.
يقول الشافعي: كنت أهاب أن أقلب الورقة في مجلس مالك مخافة أن أؤذيه بصوت تقليب الورقة.
أما الآن فالطالب يظل يقلب في الكتاب ويسأل الذي بجانبه: اشرح لي كلام الشيخ، وبعد ذلك يرد على الشيخ ويفاجئه بالفصاحة التام