وقال رجل لبعض السلف: يا إمام! لقد صليت خلف رجل من أهل القدر، أو ممن ينكر القدر؟ قال: منذ كم وأنت تصلي خلفه؟ قال: منذ خمسين سنة، قال: أعد صلاتك منذ خمسين سنة! إنه شيء عجيب وعظيم جداً، ولذلك نجد كثيراً جداً من أهل البدع وهم أئمة للمسلمين، فمنهم الأشعري المؤول، ومنهم المعتزلي العقلاني، ومنهم القدري، ومنهم المرجئ، ومنهم الخارجي، ومنهم ومنهم، فيتحرج المرء أشد الحرج أن يصلي خلف أحد، لكن لابد أن تعلم أن هذا أيضاً يجرنا إلى بدعة الخوارج، وأنهم لا يصلون إلا خلف أنفسهم فقط، ومن أشر البدع كذلك أن تتعنت أنت في اختيار إمامك الذي لا تعرفه.
فيدخل أحدهم مسجداً من المساجد -كما يفعله بعض أهل الحجاز ولعلهم تلقوه من أهل البدع في مصر- ثم يخترق الصفوف حتى يصل إلى الإمام فيسأله عن الصفات، ويسأله في القدر، ويسأله في تقديم النقل على العقل، ويسأله عدة أسئلة، فإذا أحسن الإمام الجواب صلى خلفه وإلا فلا، وهذه أيضاً بدعة.
فإذا كنت تعلم يقيناً بغير بحث ولا تنقيب أن هذا الإمام من أهل البدع المكفرة فلا تصلي خلفه، وأما إذا كانت بدعته ليست مكفرة فهو فاسق بذلك، وأنت تعلمون أن الصلاة تصح على كل فاسق وخلف كل فاسق، كما قال أهل السنة والجماعة بجواز الصلاة خلف كل بر وفاجر، وعلى كل بر وفاجر.
وأما الفجور الذي يؤدي به إلى الكفر فلا، لكن فجور يؤدي به إلى الفسق أو الظلم فحسب فالصلاة خلفه جائزة، وعليه كذلك جائزة، إلا لإمام يشار إليه بالبنان فيستحب ألا يصلى عليه؛ حتى يكون عبرة لأمثاله من الأحياء ألا يفعلوا فعله، ولا يصنعوا صنيعه.
أما أن تتعنت وتسأل عن الإمام فهذا لم يكن عليه أهل السنة والجماعة، إذا كنت تعلم أنه من أهل البدع فابتعد عنه، وإذا كان أمره على الستر فلا يحل لك أن تسأل، وإنما صل وانصرف.
وقد عانينا من أهل البدع في هذا الباب في مصر والشام سنوات عديدة في أوائل الثمانينات، فقد كان الواحد منهم وخاصة من أهل مصر يدخل مسجداً من مساجد الشام فلا يصلي خلف الإمام إلا أن يوجه إليه الأسئلة، حتى علم أئمة البدعة والضلالة في الأردن وسوريا ولبنان هذه الأسئلة فحفظوها، وحفظوا الجواب المريح، فإذا سئلوا في القبلة بعد الإقامة أجابوا بما يريح السائل، وهم يعتقدون غير ذلك، وكانت فتنة عظيمة جداً عمت البلاد في ذلك الوقت تقريباً منذ سنة (١٩٨٢م) أو (١٩٨٣م) حتى سنة (١٩٨٧م) حتى جاء الأمر من السماء بطرد هؤلاء من الشام؛ لأن أرض الشام أرض مباركة، فلا يكاد يظهر فيها مبتدع أو تظهر فيها بدعة إلا ويفضح الله تعالى أمرهم، ويشتت شملهم، وأبعدهم عن هذه الديار والأراضي المباركة.