قال: [وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لتركبن ما ركب أهل الكتاب)]، (لتتبعن سنن أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)، أي: إن لم يكونوا هم الذين أعنيهم فمن يكونون إذاً؟ وإنما عنى بهم اليهود والنصارى والخوارج والروم.
ثم قال: [(لتركبن ما ركب أهل الكتاب لا تخطئون ولا يخطأ بكم، حذو النعل بالنعل)]، أي: تصيرون خلفهم، فإذا رفعوا نعالهم وضعتم أنتم نعالكم مكان نعالهم، مبالغة في ترك سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وترك الاهتمام بها والاهتداء بهديه، ومتابعة اليهود والنصارى في كل شيء، في عقائدهم وأخلاقهم ومسالكهم ومشاربهم، حتى لا يكاد الواحد منا -عياذاً بالله- يخطئ اليهودي ولا النصراني فيما يتعلق بخاصته، أي: يقلده في كل شيء، وأنتم تعلمون الآن أن تقليد المسلمين لأهل الكتاب -وإن شئت فقل: دول أوروبا وأمريكا- على أشده في بلاد المسلمين، حتى أخذ هذا مظهراً آخر واعتقاداً آخر، وحتى صار الذي يتبع اليهود والنصارى هو الإنسان المتمدن المتحضر الواعي العاقل الفاهم، وغير ذلك من هذه المصطلحات الرنانة، وفي الحقيقة هو الإنسان الفاجر الخاسر المستنكف عن عبادة الله عز وجل، المخالف لطريق النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا على أية حال مذهبنا، وهذا فهمنا، وليعده من شاء تخلفاً أو تقدماً، فهذا لا يعنينا، إنما الذي يعنينا هو اعتقادنا الجازم أن ترك السنة وركوب سنن أهل الكتاب هو التخلف بعينه، وهو الفجور بعينه، وهو الفسق بعينه، وأخشى أن من قلدهم حشر معهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن الرجل يحب القوم ولما يعمل بعملهم، يحب القوم لكنه لا يتمكن ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(المرء مع من أحب)، قال أنس وهو راوي الحديث: فوالله ما فرح الصحابة رضي الله عنهم أشد من فرحهم يوم أن سمعوا: المرء مع من أحب، ثم قال أنس: وأشهدكم أنني أحب أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً رضي الله عنهم أجمعين.