[ذكر بعض فقهاء الأمصار الذين روى عنهم القاسم بن سلام أن الإيمان قول وعمل]
ثم ذكر أئمة أهل السنة وكلامهم في الإيمان من أهل مكة، ومن أهل المدينة، ومن أهل اليمن، ومن أهل مصر.
فمن أئمة أهل السنة [من أهل مصر والشام: مكحول الشامي والأوزاعي الشامي وسعيد بن عبد العزيز الشامي والوليد بن مسلم الشامي ويونس بن يزيد الأيلي المصري ويزيد بن أبي حبيب المصري ويزيد بن شريح المصري وسعيد بن أبي أيوب المصري والليث بن سعد المصري وعبيد الله بن أبي جعفر ومعاوية بن صالح وحيوة بن شريح وعبد الله بن وهب]، وهؤلاء مصريون.
قال: [وممن سكن العواصم وغيرها من الجزيرة ميمون بن مهران ويحيى بن عبد الكريم].
ومن أهل الكوفة فلان وفلان، [ومن أهل البصرة الحسن البصري وابن سيرين وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وسليمان التيمي وعبد الله بن عون وحسان بن حسان وهشام الدستوائي وشعبة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو الأشهب]، وغير واحد من هؤلاء.
[ومن أهل واسط: هشيم بن بشير وخالد بن عبد الله الواسطي وعلي بن عاصم ويزيد بن هارون وصالح بن عمر وعاصم بن علي.
ومن أهل المشرق: الضحاك بن مزاحم وأبو جمرة نصر بن عمران وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل وجرير بن عبد الحميد الضبي هؤلاء كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وهو قول أهل السنة والجماعة، والمعمول به عندنا، وبالله التوفيق].
قوله: (والمعمول به عندنا) أي: الذي نعتقده أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وقال أبو عثمان محمد ابن الإمام محمد بن إدريس الشافعي سمعت أبي -وهو محمد بن إدريس الشافعي - يقول ليلة للحميدي: ما تحتج عليهم بآية هي أحج من قوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]].
أي: الإمام الشافعي يذكر لشيخه الإمام الحميدي إذا ناظر المرجئة ذات يوم، وطلبوا منه آية في كتاب الله ما يحتج به عليهم.
فالمناظرة متعلقة بهل العمل من الإيمان أم لا؟ إذاً: الخلاف الذي بين المرجئة وأهل السنة في اعتبار أن الأعمال من الإيمان أم لا؛ فهذا هو بيت القصيد في مخالفة المرجئة لأهل السنة.
فالإمام الشافعي مع جلالته يكلم شيخه الإمام الحميدي صاحب المسند ويقول له: إذا ناظرت المرجئة ذات يوم فطلبوا منك آية في كتاب الله، فاحتج عليهم بقول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]؛ لأن الدين يشمل الإيمان والإسلام والإحسان.
[وناظر حرملة بن يحيى رجلين بحضرة الشافعي بمصر في الإيمان، فقال أحدهما: إن الإيمان قول، فحمي الشافعي من ذلك، وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن الرجل وقطعه].
أي: قام عليه بالأدلة من الكتاب والسنة حتى أفحمه.
فالطحن في مذهب العلماء هو إفحام الخصم بالحجة.
[قال الشيخ ابن بطة: فهذا طريق الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين الذين جعلهم الله هداة هذا الدين، موافق ذلك لنص التنزيل وسنة رسوله الأمين، فنعوذ بالله من عبد بلي بمخالفة هؤلاء، وآثر هواه، ورد دين الله وشرائعه وسنة نبيه إلى نظره ورأيه واختياره، واستعمل اللجاج والخصومة يريد أن يطفئ نور الله {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢]].
يبقى لنا إن شاء الله في الدرس القادم إثبات زيادة الإيمان ونقصانه من كتاب الله، ثم من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم من أقوال الصحابة والتابعين وسائر فقهاء الملة.