قال:[وقال معاوية بن حرمل: لو نادى مناد من السماء: لا يدخل الجنة غير رجل واحد لرجوت أن أكون أنا هو، ولو نادى مناد من السماء: لا يدخل النار إلا رجل واحد لم أزل أخاف أن أكون أنا هو، حتى أعلم أأنجو أم لا]، أي: حتى يأتيني الخبر اليقين المتعلق بي أنا، قال:[ولو نادى مناد من السماء أن معاوية بن حرمل من أهل النار لم أزل أعمل حتى تعذرني نفسي].
وهذا كلام عظيم جداً يرد به على الذي يتكلون على المكتوب والمقدر ويتركون العمل، فالنبي عليه الصلاة والسلام أجاب عن هذا السؤال فقال:(اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، أي: أنت مهدي إلى طريقك الذي كتبه الله عز وجل لك في اللوح المحفوظ، إذ كل يعمل بهذا الأجل المحفوظ، وبهذا القدر المكتوب، والله عز وجل ما كتبه عليك ظلماً، فحاشاه سبحانه أن يظلم عباده ذرة أو أقل من ذلك، ولكن الله تعالى أعذر العباد من أنفسهم بأن جعلهم عقلاء، ولما مدحهم مدحة العقل كلفهم، ولم يكلفهم إلا بعد أن أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة، فقامت الحجج على الخلق، وليس للمرء إلا أن يجتهد في الطاعة بإتيان الأمر وترك النهي، ولازم عليه بعد ذلك أن يرجو رحمة الله تعالى وأن يخاف عذابه.