[انحراف القدرية في القدر رغم سماعهم للآيات الدالة عليه]
قال: [فالقدرية المخذولة يسمعون هذا وأضعافه، ويتلونه ويتلى عليهم، فتأبى قلوبهم قبوله، ويردونه كله، ويجحدونه بغياً وعلواً، وأنفة من الحق وتكبراً على الله عز وجل وعلى كتابه، وعلى رسوله، وعلى سنته، وللشقوة المكتوبة عليهم، فهم لا يسمعون إلا ما وافق أهواءهم، ولا يصدقون من كتاب الله ولا من سنة نبيه إلا ما استحسنته آراؤهم، فهم كما قال الله عز وجل:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}[الأنعام:١١١]، هم كما قال الله عز وجل:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[البقرة:١٧١].
وهكذا القدري الخبيث الذي قد سلط الله عليه الشياطين يمدونهم في الغي مداً ثم لا يقصرون، تزجره بكتاب الله تعالى فلا ينزجر، وبسنة النبي رسول الله فلا يدّكر، ويقول الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين فلا ينحسر -أي: تذكره بأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام فلا ينحسر- وتضرب له الأمثال فلا يعتبر، مصر على مذهبه الخبيث النجس الذي خالف فيه رب العالمين، والملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين، وجميع فقهاء المسلمين، وضارع فيه اليهود -فالقدري شبيه باليهود والنصارى- والنصارى والمجوس والصابئين، فلم يجد أنيساً في طريقته، ولا مصاحباً على مذهبه غير هؤلاء، أعاذنا الله وإياكم من مذاهب القدرية، والأهواء الرديئة، والبدع المهلكة المردية، وجعلنا وإياكم للحق مصدقين، وعن الباطل حائدين، وثبتنا وإياكم على الدين الذي رضيه لنفسه واختص به من أحبه من عباده، الذين علموا أن قلوبهم بيده، وهممهم وحركاتهم في قبضته، فلا يهمون ولا يتنفسون إلا بمشيئته، فهم فقراء إليه في سلامة ما خولهم من نعمه، يدعونه تضرعاً وخفية كما أمرهم به من مسألته:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:٨]].