[تفسير الحسن البصري لقوله تعالى:(وهو ألد الخصام وبيان أنواع الكذب، وخطر الكذب على النبي]
[وعن الحسن في قوله تعالى:{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة:٢٠٤]، قال: كاذب القول].
يعني: لا يقول قولاً صدقاً، وأنتم تعلمون أن الكذب في اللغة وفي الاصطلاح هو القول الذي لا يطابق حقيقة الواقع، سواء كان قائله متعمداً، أو مخطئاً، أو ناسياً، فيقال: إنه قول كاذب، لكن هل يأثم قائله بذلك؟ إذا كان متعمداً فإنه يأثم، وإذا كان غير متعمد لذلك فإنه لا يأثم.
والكذب منه ما هو مذموم أشد الذم، بل ذهب بعض أهل العلم إلى كفر قائله، كالكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، كما في قوله: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، فلم يرد مثل هذا التهديد والوعيد في الكذب في حديث الناس، ولما قاله عليه الصلاة والسلام:(إن كذباً علي ليس ككذب على أحد).
وبهذا يتبين أن الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو دين يتعبد به إلى قيام الساعة؛ ولذلك لم يستو الكذب في حديث الناس مع الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنك لو كذبت على النبي عليه الصلاة والسلام فكأنك تقول: هذا دين الله عز وجل الذي قد أتى به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
وبالتالي يلزمكم أيها الناس! أن تتقربوا إلى الله بمثل هذا الكلام، وفي حقيقة الأمر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل هذا الكلام، بل هو مفترى عليه عليه الصلاة والسلام، ولكن من رحمة الله عز وجل ومن حفظ الله عز وجل لهذا الدين أن قيض لسنة النبي الأمين أناساً يذبون عنه، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ فميزوا وغربلوا السنة غربلة، وميزوا وفرقوا بين ما صح وما ثبت عن صاحب الشريعة الغراء وما لم يثبت.
فتعبدنا الله عز وجل بما ثبت عن نبيه عليه الصلاة والسلام، وأما ما دون ذلك فإنه مردود لا يجوز العمل به قط، بل ولا حتى في فضائل الأعمال على أرجح الأقوال من كلام أهل العلم.
والكذب مذموم كله، وهو يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار.
والكذب كله ما ورد في الكتاب والسنة، بل ولم يذكر في لسان العرب إلا في معرض الذم، ولم يستثن منه الشرع إلا مواطن محددة، كالكذب على العدو؛ لأن الحرب خدعة، والكذب على الزوجة؛ لاستقامة الحياة، وهو الكذب فيما يتعلق بالثناء عليها، والحث لها، وقبول أعمالها وغير ذلك، كأن تقول لها مثلاً: أنت جميلة، وهي في حقيقة الأمر دميمة، وكأن تقول لها: طبخك أو طهيك ما أجمله وما ألذه، وهو في حقيقة الأمر تأنف منه الكلاب، لكن على أية حال لو أنك قلت ذلك لدامت العشرة، وطاب الخاطر، فمثل هذه المسائل أجازها الشرع لمصلحة أعظم من الكذب، وهو كذب لا يؤثر على دين الله عز وجل لا أخذاً ولا رداً.