للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قول آدم لموسى: (أنت الذي أعطاك الله علم كل شيء)]

قال: [وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحاج آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة إلى الأرض؟ -أغويت: من الغواية وهي الضلال- فقال له آدم: أنت الذي أعطاك الله علم كل شيء)]، وهل الله سبحانه وتعالى بالفعل أعطى لموسى علم كل شيء؟ لا، إذاً: هذا يسمى عند الأصوليين من العام المخصوص، وكلمة (كل) من ألفاظ العموم، أي: علم كل شيء قد ورد في الكتاب الذي أنزله عليه، بدليل أنه ما أحاط بشر قط بالعلم كله، وأعلم العلماء في الخلق نبينا عليه الصلاة والسلام، ومع هذا قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥].

إذاً: قوله: (وأعطاك الله علم كل شيء)، أي: علم كل شيء قد جاء في التوراة، ومصداق ذلك: أن موسى عليه السلام لما سئل: أتدري أحداً أعلم منك؟ قال: لا، فعاتبه الله عز وجل على ذلك لأنه تعجل الجواب، فقال: يوجد عبد من عبادي هو أعلم منك، اذهب إليه في مكان كذا، والقصة طويلة وقد شرحناها من قبل، والشاهد منها: أن موسى عليه السلام لما التقى بـ الخضر قال له الخضر: أنت على علم علمكه الله لم يعلمنيه، وأنا على علم علمنيه الله لم يعلمك.

إذاً: موسى عليه السلام لم يحط بالعلم، وإنما أحاط بالعلم الذي نزل إليه، فهذا يسمى في الأصول من العام المخصوص، أي: وإن كان اللفظ عاماً، لكن المراد من النص ليس العموم المطلق، وإنما العموم الخاص بالكتاب المنزل عليك يا موسى! قال: [(أنت الذي أعطاك الله علم كل شيء واصطفاك على الناس -أي: اختارك- برسالته؟ قال موسى: نعم، قال: أفتلومني على أمر قد كتب علي قبل أن أفعله، أو قال: قبل أن أخلق؟ قال: فحج آدم موسى)].