قال:[قال الربيع بن سليمان المرادي: جاء رجل يناظر الشافعي في شيء].
والشافعي مع علو قدره، وعظيم منزلته يأتيه رجل من أهل الكلام ومن أصحاب البدع يريد أن يناظره في مسألة، فهل تعتقدون أن الشافعي يعجز أن يناقش أهل البدع جميعاً؟
الجواب
لا، فـ الشافعي إمام الدنيا في زمانه، ولم يكن أحد في الأئمة الأربعة، لا أبو حنيفة، ولا مالك، ولا أحمد بن حنبل يضاهي الشافعي في العلم، ولو كان التمذهب مشروعاً أو مسنوناً؛ لكان التمذهب بمذهب الشافعي من أوجب الواجبات، لكن التعصب لمذهب ما، وأخذ كل ما جاء عن صاحبه حقاً وباطلاً أمر مذموم، والممدوح لك أن تتمذهب بمذهب إمام معين، لكن لا يسعك اتباعه إذا أخطأ، وإنما يسعك مخالفته والأخذ بالحق.
وقد كان مجلسه رحمه الله تعالى يزدحم بالآلاف، فمنهم من يأتي ليستمتع بعلو إسناده، ومنهم من يأتي ليستمتع ببلاغته وفصاحته، حتى قال قائلهم -وهو إمام من أئمة اللغة-: كلام الشافعي في اللغة حجة، فهو رحمه الله تعالى إمام في البيان والفصاحة، وحجة على الأمة إلى قيام الساعة؛ لأنه من أنحى العرب، فقد تلقى لغته عن قبائل العرب كلها، ودفعت به أمه إلى قبيلة هذيل التي هي أعظم القبائل لغة وفصاحة وبياناً، فمكث بها الشافعي عدة أعوام حتى أتى على بلاغتها وفصاحتها، كما أنه محدث عظيم جداً، وأسانيده مرتفعة، وإن كان أحمد بن حنبل تلميذ الشافعي، إلا أن أحمد فاقه حديثياً؛ لانشغال أحمد بالحديث.
وأما الشافعي فكان جل اهتمامه بالفقه؛ ولذلك هو الفقيه حقاً، فيقدم في الفقه على كل الأئمة الذين تكلموا في الفقه إلى قيام الساعة، بخلاف أحمد، فإنه إمام الأئمة في زمانه في الحديث، وهكذا جمع القوم بين شتى فنون العلم: من الحديث، والفقه، واللغة، والتفسير، والقرآن وغير ذلك، لكن الواحد منهم اشتهر بعلم معين، وإن كان محصلاً لجميع العلوم الأخرى.
قال:[فقال الشافعي: دع هذا، فإن هذا طريق الكلام].
أي: أن هذا الذي تسلكه هو منهج أهل الكلام، ونحن عندنا سنة وأثر، وإنما أنصحك باتباع الأثر وترك الكلام وذمه.
قال:[وسمع الشافعي رجلين يتكلمان في الكلام، فقال: إما أن تجاورانا بخير، وإما أن تقوما عنا].