للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة للمسلمين بالتمسك بالكتاب والسنة]

قال: [ثم على إثر ذلك فإني أجعل أمام القول إيعاز النصيحة إلى إخواني المسلمين].

يعني: أنه أراد أن ينصح المسلمين قبل الدخول والشروع في المراد والمقصود.

قال: [فإني أجعل أمام القول -يعني: في مقدمة القول- إيعاز النصيحة -أي: تقديم النصيحة- لإخواني المسلمين: بأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين] هذه النصيحة من أغلى ما نصح به ناصح منصوحاً، فأغلى نصيحة يمكن أن يقدمها الناصح للمنصوح أن ينصحه بالتمسك بالكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة في فهم الكتاب والسنة، أعز ما يملك المرء لأخيه من نصح أن ينصحه بهذا، وبهذا بيان أن المنهج الحق الذي يتمسك به المسلم هو أن يتمسك بالكتاب والسنة على منهاج سلف الأمة؛ لأن الكل يزعم أنه على الكتاب والسنة، وإن أتيت بأفجر فاجر على وجه الأرض وسألته: ما منهجك؟ لقال: الكتاب والسنة.

وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا كل يدعي أنه يحب ليلى، ولاشك أنها تحب واحداً، ويقولون: ليست العبرة أنك تحب الله، وإنما العبرة أن يحبك الله عز وجل؛ لأن هذا هو الحب الذي ينفعك، وإن الله تعالى لا يحب الظالمين ولا المفسدين، ولا الكافرين وإنما يحب الصالحين، الصابرين، المؤمنين، الصائمين وغير ذلك من سائر صفات الطائعين لله عز وجل، فالعبرة أن يحبك الله عز وجل، ولا يحبك الله إلا إذا كنت عاملاً بالكتاب والسنة على منهاج سلف الأمة.

ولذلك لو أتيت برجل صاحب بدعة، وتصور لو أنك أتيت بجهمي وقلت له: ما هي مصادرك فيما تقول؟ سيقول: الكتاب والسنة.

ولو أتيت بجهمي أو معتزلي أو أشعري أو خارجي أو حتى أتيت بـ خميني إيران ما منهجك؟ يقول: الكتاب والسنة.

لكن العبرة ليس بالكتاب والسنة فحسب، بل العبرة وبيت والقصيد أن يفهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، ولذلك كثير من الناس يأتي بآية من كتاب الله ويفهمها على غير مراد الله، أو حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويفهمه على غير مراد النبي ثم هو في نهاية الأمر يزعم أنه على الكتاب والسنة.

نعم.

أنت على الكتاب والسنة لكن بفهم الخلف لا بفهم السلف، وما أظن أن واحداً من المبتدعة أو الضلال يزعم أنه لا علاقة له بالكتاب والسنة، وإنما الكل يدعي وصلاً بالكتاب والسنة، وأنه يأخذ منهما غضاً طرياً، وليس الأمر كذلك إلا أن يكون فهمه للكتاب والسنة على منهاج الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ولذلك يقولون: الدعوة السلفية امتداداً لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، وسميت سلفية؛ لأن مناط البحث فيها ومناط الأخذ عنها إنما هو عن الصحابة رضي الله عنهم، وعن التابعين لهم بإحسان، وعن الأئمة المتبوعين، فالسلفيون لا يفهمون الكتاب من عند أنفسهم، ومن فهم منهم آية من عند نفسه ولم يرجع فيها إلى فهم السلف لم يكن متبعاً لمنهج السلف في هذه الآية، فلابد من الرجوع في كل آية من كتاب الله، وفي كل حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لفهم علماء الأمة وسلف الأمة لهذا الكتاب ولهذه السنة، وما دون ذلك خرط القتاد، لا يصح منك أبداً ولا يقبل منك حتى يستقيم فهمك للكتاب والسنة كما استقام فهم سلف الأمة للكتاب والسنة.

قال: [ثم على إثر ذلك فإني أجعل أمام القول إيعاز النصيحة إلى إخواني المسلمين: بأن يتمسكوا بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين، الذين شرح الله بالهدى صدورهم، وأنطق بالحكمة ألسنتهم، وضرب عليهم سرادق عصمته].

السرادق: هو الذي يحيط بالشيء، وسرادق العصمة بالنسبة للأنبياء معلوم وهو العصمة في تلقي الوحي، وفي إبلاغ الوحي، والعصمة من الكبائر، أما العصمة لمن بعدهم فهي العصمة من البدع، والعصمة لعلماء الأمة من السلف، أن الله عصمهم من الوقوع في البدع، أما الكبائر فليسوا معصومين منها، بل تقع منهم الكبيرة كما تقع ممن هو دونهم.

قال: [وأعاذهم من كيد إبليس وفتنته، وجعلهم رحمة وبركة على من اتبعهم، وأنساً وحياة لمن سلك طريقهم، وحجة وعمى على من خالفهم، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥]].

وهذه الآية تدعو إلى التمسك بالمنهج السلفي؛ فهي من أعظم قوانين القرآن للسلفيين، والمشاقة: هي البعد والمحادة.

ومعنى قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء:١١٥]، أي: تبين له الوحي والعلم والطريق المستقيم: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:١١٥] هو سبيل الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والعقوبة: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:١١٥] أي: نمهد له السبيل للوقوع في الفتن والبدع؛ لأنه شاقق الرسول واتبع غير سب