للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث عامر بن سعد: (أن النبي أعطى رجالاً)

وعن عامر بن سعد (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً، فقال أبوه سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله! أعطيت فلاناً وفلاناً وتركت فلاناً -أي: من الغنائم- فلم تعطه وهو مؤمن، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أو مسلم؟ فسكت سعد، ثم قال: وحزبني -أي: دفعني- ما أعرف من الرجل فقلت: يا رسول الله -مرة أخرى- أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلاناً وهو مؤمن، قال عندها: أو مسلم؟ فحزبني ما أعرف من الرجل أن أقول للنبي مرة ثالثة: يا رسول الله! أنت أعطيت فلاناً وفلاناً وفلاناً، ولم تعط فلاناً وهو مؤمن، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا سعد هل لك في أن تقول: مؤمن؟).

فنحن نعرف من قبل يا إخواني! أن المسلم لا يصح له الإسلام إذا كان معه أصل الإيمان، فلو قال رجل: أنا مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لكني لا أؤمن بالملائكة ولا بالنبيين ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره، ولا بعذاب القبر ونعيمه، ولا بالبعث، ولا بالحساب، ولا بالجزاء، ولا بالصراط، ولا بالجنة، ولا بالنار، فهذا الرجل ليس مسلماً؛ لأنه ليس معه أصل الإيمان.

وفي هذه الحالة حينما رد النبي عليه الصلاة والسلام على سعد في عدم إعطاء هذا الرجل من الغنائم، كان قصد سعد بكلمة: (مؤمن) كمال الإيمان لا أصله، فلما أنكر النبي عليه الصلاة والسلام على سعد أنكر شهادته له بكمال الإيمان.

[فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إني لأعطي رجالاً وأدع من هو أحب إلي منهم مخافة أن يكبهم الله في النار على مناخرهم)].

أرأيتم العلم والحكمة؟! يقول له: يا سعد! ما معنى أني أعطيت فلاناً وطردت فلاناً؟ هل أنه مؤمن أو غير مؤمن؟ لا، فأنا قد أعطي فلاناً ولا أعطي فلاناً آخر، والذي لم أعطه أحب إلي، وإيمانه أعدل إلي من إيمان من أعطيته، ولذلك شرع الله عز وجل سهماً من الزكاة للمؤلفة قلوبهم، مع أن هناك ناساً في كمال الإيمان، والمؤلفة قلوبهم أحب إلى الله أم أبي بكر وعمر؟ أبو بكر وعمر، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما يعطي المؤلفة قلوبهم ولا يعطي أبا بكر وعمر، فهل يدل على أن المؤلفة أحسن من أبي بكر وعمر؟ أبداً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى هؤلاء مخافة أن يبغضوا رسول الله، أو أن يبغضوا الدين، فهم حينما يعالجوا بالمال يكون هذا عوناً لهم على الثبات، فيقول: لماذا لم تعطني؟ فيقول لك: أنت ليس وراءك خير! لكن النبي عليه الصلاة والسلام بحكمة الداعية وبحكمة الأنبياء إنما دعاهم لشيء يعجبهم ويسرهم، وكان السائل يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيسأله فيعطيه غنماً بين جبلين برعاتها وكلابها ومرعاها، فيذهب الرجل إلى قومه ويقول: أتيتكم من عند من لا يخشى الفقر أبداً، محمد عبد الله ورسوله، فيأتي بعد برهة من الزمن مع قومه قد آمنوا بالله ورسوله، بسبب قليل من الأغنام زائلة فانية، والنبي عليه الصلاة والسلام كانت الدنيا في يده لا في قلبه، وما كانت به حاجة أن يكون رجلاً من أهل الدنيا؛ لأنه غني بالله تعالى، وغني بالإيمان بالله، فحينئذ النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على سعد أن يتكلم في حقيقة وكمال وتمام إيمانه لأحد، حتى وإن كان من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا إنما يعلمه الله عز وجل، ولو قال سعد: إنه مؤمن إن شاء الله يا رسول الله! ما أنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما أنكر على سعد أنه جزم بذلك.