[وعن ابن عباس قال: الزنا بقدر، وشرب الخمر بقدر، والسرقة بقدر].
وهذا يدل على أن جميع المعاصي بقدر، ولا يعني أن هذه المذكورات فقط بقدر وما دونها ليس كذلك، بل هذه المذكورات على سبيل المثال في المعاصي، فكذلك سائر المعاصي كلها بقدر، أي: أن الله تعالى علمها، وعلم أن العبد الفلاني سيشرب الخمر ويزني ويسرق ويقتل ويأكل الخنزير، ويخالف بذلك آيات التنزيل؛ فكتب ذلك في اللوح المحفوظ، فكتب ما علم سبحانه وتعالى، وهذا لا يعني أن الله تعالى يحب الزنا أو شرب الخمر.
كما أنه لا يجوز لأحد أن يحتج بالقدر على المعاصي، ويقول: كتب الله تعالى علي الزنا فزنيت، وكتب السرقة فسرقت، وكتب شرب الخمر فشربت؛ لأنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعايب، وإنما يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب، فلان مرض عنده حمى عمل عملية جراحية، لأن الله تعالى قدر عليه ذلك؛ فيجوز لك أن تحتج بالقدر على المصائب.
أما إنسان يزني أو يسرق أو يقتل، فإذا سئل: لم فعلت هذا؟ يقول: أليس هذا مقدراً؟ طرح هذا السؤال بهذا النحو في هذا الموطن ليس من دين الإسلام ألبتة، وإلا لبطل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والثواب والعقاب، وهدمنا الدين كله؛ ولذلك أهل العلم يقولون: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر، وأن كل شيء بقدر، لكن لا يجوز الاحتجاج به قط على وقوع المعصية، اللهم إلا أن يتوب منها، فيوقن حينئذ أنه بعد التوبة لم يكن قد ارتكب ما ارتكبه إلا بقدر، والتوبة تستجلب الحد، يعني: إذا أقيم عليه الحد فهو كفارته، وإلا فإن كان هناك عجز عن قيام الحد -كما هو حال أمة الإسلام اليوم- فلا أقل من أن يتوب توبة نصوحاً بينه وبين ربه؛ فحينئذ يتوب الله تعالى عليه.
[قال ابن عباس: ما في الأرض قوم أبغض إلي من قوم من القدرية؛ يأتونني يخاصمونني -يعني: يجادلونني وينازعوني- وذاك أنهم أحسب لا يعلمون قدرة الله عز وجل] يعني: أنا على يقين أن هؤلاء لا يعلمون أن الله على كل شيء قدير، ويشكون في قدرة الله.