[باب ذكر ما نطق به نص التنزيل من القرآن بأنه كلام الله]
قال المصنف رحمه الله في الباب الأول: [باب ذكر ما نطق به نص التنزيل من القرآن بأنه كلام الله، وأن الله عالم متكلم: قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]]، أي: أن الله متصف بالكلام، فالكلام صفة من صفات الله عز وجل.
[وقال تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:٧٥].
وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف:١٥٨].
وقال عز وجل: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:١٠٩]]، والمداد: الحبر الذي يكتب به، فلو أن البحر ومثله معه ومثله معه ومثله معه وسبعة أمثاله مداد، وهذه الأشجار التي خلقها الله عز وجل أقلام، فأخذنا تلك الأقلام ووضعناها في هذه المحابر التي هي البحار السبعة، وكتبنا كلام الله عز وجل ما نفدت كلمات الله، تنفد الأقلام وتنفد البحار ولا تنتهي كلمات الله عز وجل.
إذاً: الله تعالى متكلم عليم قدير سميع بصير سبحانه وتعالى، والذي يظن أن الله تبارك وتعالى تكلم بهذا القرآن فحسب فقد أخطأ؛ لأن هذا القرآن إنما هو جزء وشيء من علم الله عز وجل، هذا القرآن الذي بين أيدينا الذي هو كلام الله إنما هو علم من علم الله تعالى وليس هو كل علم الله تعالى، فعلم الله تعالى لا يمكن الإحاطة به، ولذلك قال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ} [لقمان:٢٧].
[وقال تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:١٤٤].
وقال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥].
وقال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]]، وفي الدرس الماضي قلت لكم أن الجهمية حرفوا هذه الآية، فقالوا: وكلم اللهَ موسى تكليماً، ولم يقولوا: {وَكَلَّمَ اللَّهُ} [النساء:١٦٤] فجعلوا المتكلم هو موسى، حتى لا يقولون أن الله تعالى يتكلم، فجعلوا الله تعالى في هذه الآية المخاطب لا المخاطب، فإذا كان الأمر كذلك فماذا يقولون في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣]؟ لا يستطيع أحد أن يحرف هذه الآية، إلا أن يفعلوا كما فعل الجهم، حيث أتى على هذه الآية فمحاها من مصحفه، فلما قيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: إني أكرهها؛ لأنه لا يعرف أن محرف، فلما اصطدم بهذه الآية ولم يكن بد من محوها محاها لأنها حجة عليه، ولا يمكن تحريفها.
[قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:٨٧]]، والحديث هو الكلام، ولم يقل: أصدق من الله خلقاً وإنما قال حديثاً، وهذا يدل على أن حديث الله أو كلام الله ليس مخلوقاً.
[وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:٣٠]]، ولم يقل: وإذ خلق ربك؛ لأن الجهمية يقولون في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة:٣٠] أن الله تعالى خلق كلاماً في السماء فسمعته الملائكة، وليس المتكلم حقيقة هو الله، وإنما الله تعالى خلق الكلام في الأشجار أو في البحار أو في الجبال، أو في الهواء بين السماء والأرض فتكلم هذا المخلوق بكلام الله فسمعته الملائكة أو سمعه موسى أو غير ذلك ممن كلمهم الله عز وجل.
[وقال عز وجل: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة:١١٥]]، الشاهد هنا: (قَالَ اللَّهُ) إذاً: الله تعالى يقول.
[وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة:١١٦]]، إذاً: الله تعالى كلم عيسى.
[وقال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة:١١٩]]، وهو يوم القيامة.
[وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠].
وقال تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:٣٥].
وقال تعالى فيما أعلمناه في كتابه أن القرآن من علمه -وليس هو كل علم الله تعالى- فقال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا} [البقرة:٢٥٥].
وقال: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ