[تعليق ابن بطة على ما ورد عن الصحابة من إنكار تغير الناس في لزوم السنة]
قال ابن بطة: [هذا يا إخواني -رحمنا الله وإياكم- قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن بسر، وأنس بن مالك، وأبي الدرداء، وابن عباس، ومن تركت أكثر ممن ذكرت، فيا ليت شعري! كيف حال المؤمن في هذا الزمان؟ وأي عيش له مع أهله، وهو لو عاد عليلاً -يعني: لو زار مريضاً- لعاين عنده وفي منزله وما أعده هو وأهله للعلة والمرض من صنوف البدع ومخالفة السنن، والمضاهاة للفرس والروم وأهل الجاهلية ما لا يجوز له معه عيادة المرضى؟] يقول: حتى المريض العليل عنده من البدع والمخالفات والبلايا المخالفة للكتاب والسنة ما يجعل العائد له يرجع ولا يعوده، مع أن المريض دائماً هو في أمس الحاجة إلى أن يتقرب إلى الله عز وجل، وهكذا حال الإنسان دائماً يلجأ إلى الله تعالى في وقت ضره، ويعصي حين يدفع عنه الضر.
قال: [وكذلك إن شهد جنازة، وكذلك إن شهد إملاك رجل مسلم]، تصور أنك ذاهب لاتباع جنازة، فبين كل فترة وأخرى تسمع من يقول: وحدوه، فلا يصلح هذا، وهذا ليس من السنة، وليس من الهدي.
كما أنك تجد مشايخ ودعاة وعلماء يشتغلون فقط بالدعاء الجماعي والتأمين الجماعي، وهذا ليس من هديه عليه الصلاة والسلام، فلم يثبت قط أنه دعا على المقابر جماعة، وإنما كان يقول: (ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل)، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام مجاب الدعوة، فلو أن الدعاء على هذا النحو مشروع لكان هو أولى بالدعاء من أصحاب التأمين، ولكنه أمر كل واحد أن يدعو حتى لا يحرم نفسه الدعاء، إذ إن الدعاء من أعظم العبادات، بل هو أصل العبادة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، فحينئذ لو سكت الناس جميعاً ودعا واحد وأمن الناس، فكأن الداعي للميت واحد فقط، ولو انفرد كل إنسان قدر أن تنحر جزور وتسلخ ويوزع لحمها -وهذا لا يكون إلا في ساعة من الزمان- لانتفع بها الميت في قبره، وكان هؤلاء جميعاً شفعاء يومئذ، ولو أنك أنكرت وقلت: يا إخواني! كل واحد يدعو في نفسه للميت لقالوا: نتبعك أنت أم فلاناً وفلاناً، وهؤلاء ليسوا من أهل البدع، بل هم من أهل السنة، أو يقولون: هؤلاء مشايخكم ودعاتكم وعلماؤكم يفعلون هذا! ونقول: هذا فيه مخالفة للشرع، لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، إنما وعظ مرة عليه الصلاة والسلام، والموعظة تختلف عن الدعاء، الموعظة تذكير للمؤمن بمآله، وأنه لا يبعد أن يكون في نفس اليوم في نفس المكان وفي نفس المقبرة، فالموعظة تختلف عن الدعاء، فلا بأس بالموعظة على المقابر، على أن لا يكون هذا ديدناً حتى لا يدخل في حد البدع، أما الدعاء بالإفراد فإنه مسنون مع كل دفن.
قال: [وكذلك إن شهد له وليمة، وكذلك إن خرج يريد الحج، عاين في هذه المواطن ما ينكره ويكربه، ويسوءه في نفسه وفي المسلمين ويغمه]، في كل مناحي العبادات والعادات تجد انحرافاً عن الشرع، فإذا أردت أن تضع الأمر نصابه قوبلت بالإنكار والردود والملامة، وربما الاعتداء والضرب والشتائم، لا يمكن أبداً لهذه الأمة أن تفيق إلا أن ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها.
قال: [فإذا كانت مطالب الحق قد صارت بواطل، ومحاسن المسلمين قد صارت مفاضح، فماذا عسى أن تكون أفعالهم في الأمور التي نطوي عن ذكرها؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون ما أعظم مصائب المسلمين في الدين وأقل في ذلك المفكرين!].
وقال: [أنشدني شيخ من أهل العلم بالبصرة في جامعها: الطرق شتى وطرق الحق مفردة والسالكون طريق الحق آحاد لا يطلبون ولا تبدو مآثرهم فهم على مهل يمشون قصاد والناس في غفلة عما يراد بهم فكلهم عن طريق الحق حواد] يعني: يحيدون عن طريق الحق.
قال: [غمر الناس يا إخواني! البلاء، وانغلقت طرق السلامة والنجاء، ومات العلماء والنصحاء، وفقد الأمناء، وصار الناس داء ليس يبريه الدواء.
نسأل الله التوفيق والعصمة والسداد].
قال: [قال عبد الله رضي الله عنه: يأتي على الناس زمان يمتلئ فيه جوف كل امرئ شراً، حتى يجري الشر ولا يجد مفصلاً ولا يجد جوفاً يلج فيه].
أي: يدخل الشر في كل مكان من بدنه -عياذاً بالله- حتى يبحث عن مدخل وعن جوف فلا يجد؛ لأن البدن كله بجميع أجزائه امتلأ شراً، وامتلأ فساداً وضلالاً.
قال: [لا جعلنا الله وإياكم من أهل الشر، ولا جعل لأهل الشر علينا سبيلاً.
وقال أبو الدرداء: لو أن رجلاً كان يعلم الإسلام وأهمه]، أي: كان يعيش هم الإسلام ويهمه ما يقع بالمسلمين من بلاء وانحراف عن الطريق والصراط، [ثم تفقده اليوم ما عرف منه شيئاً].
سوكل هذا يحتاج إلى دراسة العلم دارسة متأنية حتى يعلم حقيقة الإسلام، وحقيقة كونه مسلماً، ثم إذا وقف على حقيقة الإسلام فأنزلها على واقع المسلمين اليوم لعلم أن البون شاسع جداً بين المسلمين وبين الإسلام، فهل من رجعة إلى الله عز وجل؟ وهل من توبة إلى الله عز وجل؟