وأما مذهبه في الصفات: فهو ينفي الصفات عن الله تعالى؛ لأن إثباتها يقتضي التشبيه كما هو مذهبه في كثير من الأسماء، وقال ابن تيمية: أصل قول الجهم هو نفي الصفات.
أي: العمدة الذي يعتمد عليه مذهب الجهم: هو نفيه لصفات المولى عز وجل.
ولـ أبي الحسن الأشعري كلام في ذلك، وهو قد تاب من بدعته، حيث إنه تربى في حجر أبي علي الجبائي شيخ الاعتزال في ذلك الزمان، وكان زوجاً لأم أبي الحسن الأشعري، فتربى أبو الحسن في حجر أبي علي الجبائي صغيراً، فرضع من أدب الاعتزال حتى صار منظراً في الاعتزال، وحتى قيل: أفلس المعتزلة لما اعتزلهم أبو الحسن، وصار له مذهب سيئ كذلك في مذهبه الجديد وهو المذهب الأشعري، فلم يكن للمعتزلة في ذلك الزمان منظر قوي وفصيح وبليغ يقيم الحجة على الخصم كما كان في أيام أبي الحسن.
وأبو الحسن رحمه الله انخلع كذلك من مذهبه الثاني وتاب منه على المنبر أمام الملأ، وقال: أخرج من كلامي كما أخرج هذا السيف من غمده، وسل سيفه من غمده على المنبر، وتوبته مذكورة عند كل من ترجم له إلا أهل البدع؛ فإنهم يخفون هذه التوبة، بل قد صنف أبو الحسن كتباً في عقيدة أحمد بن حنبل، وعقيدة أهل السنة على مذهب أهل السنة، مع أنه قد أخطأ في مسألة أو مسألتين بعد توبته، وذلك أن للبدعة رواسب، وآتوني بصاحب بدعة في هذا الزمان تاب من بدعته إلا وله رواسب، كأن يدعو إلى مذهب التكفير والهجرة مثلاً وقد تاب منذ عشرين عاماً فلا بد أن لديه رواسب.
وصاحب البدعة نشيط، وصاحب السنة خامل للأسف الشديد، فـ أبو الحسن الأشعري صنف كتاب الإبانة في أصول الديانة بعد توبته، وتأتي تكلم الأشاعرة فيقولون لك: نسبة الإبانة لـ أبي الحسن نسبة مشكوك فيه، وكذلك كتابه: مقالات الإسلاميين، وهو كتاب رائع جداً وممتاز، لكن لا يجوز لأحد من طلبة العلم الصغار أن ينظر فيه؛ لأنه أصعب من كتب أهل الكتاب، والذي يقرأ فيه وليست عنده أرضية متينة قوية في باب الاعتقاد فلابد أنه سيزل؛ لأنه سيفهم الأمور خطأ، وأما كتاب الإبانة فسهل جداً ويسير، ويصح أن يكون مقدمة في علم الاعتقاد للطلاب، لكن أيضاً لا أحب ذلك؛ لأجل أن هذه العقيدة لم تكن واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار كعقيدة الإمام أحمد بن حنبل، وعلى أية حال هو معذور في مسألة أو مسألتين أخطأ فيهما، وقد قال: فإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، وإن كان صواباً فمن الله عز وجل، وهو توفيق الله وهدايته، يهدي من يشاء، فيكفي أنه قال: وإن كان خطأ مني فإني أبرأ إلى الله منه، وأصير فيه إلى عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، والأئمة كلهم يقولون: لا يحل لأحد أن يقبل قولنا ما لم يعلم من أين أخذنا؟ فالتقليد والتعصب للمذهب بدعة وضلالة مع ظهور الدليل في مخالفة قول الإمام، وكل يتبرأ من قوله إذا كان قوله مخالفاً للكتاب والسنة، وليس لأحد حجة ولا عذر أن يقول: أنا حنفي أو شافعي أو مالكي أو غير ذلك؛ لأن هؤلاء تبرءوا من أخطائهم، ولابد أنهم يخطئون؛ لأنهم بشر، وكل الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
والكلام عن الأشاعرة سيأتي معنا بإذن الله، وأنا لا أريد أن أسبق الأحداث، لكن على أية حال متأخرو الأشاعرة مثل الشيعة، فتقول للشيعة: الأئمة الاثنا عشرية تبرءوا منكم، والبراءة ثابتة في النص الصحيح، فيقول لك: تبرأ هؤلاء تقيه! فتقول لهم: لكن علي بن أبي طالب أثنى على عمر وأثنى على أبي بكر وأثنى على عثمان وقال: ما أنا إلا رجل من المسلمين، قالوا: قال ذلك تقيه! فنقول: لكن أنتم شرطكم في الإيمان: أن يكون شجاعاً مقداماً، والتقية تتنافى مع الشجاعة، يقول لك: نعم علي بن أبي طالب كان أشجع الخلق، لكنه قال ذلك تأدباً وتواضعاً! فنقول: لكن أنتم تكفرون أبا بكر وعمر، فكيف يحترم علي رجلاً كافراً ويتأدب معه؟! ألا يستحق القتل؟ لأنهم قالوا في كتبهم: لو كان أبو بكر -قال هذا الكلب الهالك الخميني -وعمر في زماننا، ثم يقول: ومعاذ الله أن يذكرا على لساني! -أي: أنه أطهر من أنه يذكر أبا بكر وعمر - ما وسعني إلا قتلهما.
قال أبو الحسن: قال جهم: إن علم الله محدث هو أحدثه، أي: لم يكن ثم كان، فمن الذي علمه؟ قالوا: هو الذي خلق علم نفسه، ثم اختلفت الأخبار عن الجهم: متى خلق الله العلم؟ هل خلقه في الأزل، أم خلقه بعد العمل، أم في أثناء العمل، أم قبيل العمل؟ قال بكل قول من هذه الثلاثة إلا أن يكون علم الله أزلياً، قال: ليس علمه أزلياً، بل علمه حا