قال: [عن جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف)] أي: يعرض نفسه على القادمين لأداء نسك الحج، وأنتم تعلمون أن أهل الجاهلية كانوا يحجون إلى بيت الله الحرام، ويعظمون شعائر البيت، ولكن على غير ما سنه لنا الله تبارك وتعالى ورسوله، فإنهم كانوا يحجون، فمنهم من كان يحج على ملة إبراهيم، ومنهم من كان يحج على غير ذلك، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على الناس بالموقف، أي: على مداخل مكة أو مشارفها أو في عرفات أو مزدلفة أو غير ذلك.
[فيقول:(هل من رجل يحملني إلى قومه؟ -أي: يأخذني إلى قبيلته وقومه- فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي)].
وهذا الشاهد:(فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي).
إذاً: الرب يتكلم؛ ولذلك كان من بعض حجج أهل التوحيد على أهل الشرك وعباد الأصنام: أنهم كانوا يقولون لهم: أتعبدون أصناماً لا تتكلم ولا تعي ولا تعيركم جواباً ولا ولا ولا؟ وثبت في السنة أن أم سليم لما هلك زوجها مالك بن النضر والد أنس بن مالك رضي الله عنه تقدم لها أبو طلحة، فقالت: يا أبا طلحة! مثلك لا يرد، ولكنك رجل مشرك وأنا امرأة مؤمنة، يا أبا طلحة! أتعبد أصناماً لا تسمع ولا تعقل ولا تتكلم؟ ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً؟ قال: يا أم سليم! أنظريني ثلاثة أيام -أي: أعطيني مهلة ثلاثة أيام لأنظر في كلامك هذا- فأتاها بعد ثلاث وقال: يا أم سليم! جزاك الله خيراً، لقد فكرت في كلامك فوجدت أنه شرك، وأن ما أنت عليه توحيد وإيمان.
قالت: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن بين يديه، فذهب وأعلن إسلامه، ثم أتى إليها وقال: يا أم سليم! هل لك في نكاحي؟ قالت: نعم.
ومهري إسلامك، فلم تأخذ شيئاً في صداقها غير إسلام أبي طلحة، فكانت أم سليم تفاخر النساء.
تقول: زوجكن آباؤكن على الدينار والدرهم وتزوجت على الإسلام، وهو بلا شك شرف عظيم جداً، وأثمن مهر، ويكفي أنه سبب للعتق من النار ودخول الجنة.
فقوله:(فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي) فيه إثبات أن الرب تبارك وتعالى يتكلم.