للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة الناس إلى دين الله تعالى بالحكمة]

وبعض الإخوة انزعج جداً وقال: كيف تحترم المتبرجات؟ قلت: نعم أحترمها؛ إن الكافر مع أنه لا قدوة فيه لكنه لو كان على سرعة مائة وخمسين كيلو متر ورأى شخصاً قاطعاً الطريق لوقف له، فنحن أولى بهذا الخلق، فهذا خلق كريم ينبغي أن نتخلق به، فكم من إنسان كان عاصياً وبكلمة واحدة تاب ورجع، وكم من كافر آمن بكلمة، فحسن الخلق يجد طريقه إلى القلوب، وهذا هو خلق النبي عليه الصلاة والسلام، وهي أخلاق النبوة.

وقد ثبت في الأثر: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أريد أن أسلم لكن على أن تأذن لي في الزنا -وأظن لو أن هذا السؤال كان مطروحاً عليك لقمت بضربه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترضاه لأمك؟ لابنتك؟ لزوجك؟ لعمتك؟ لخالتك؟ وفي كل سؤال يقول الرجل: لا، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام صدره من جهة قلبه وقال: اللهم طهر قلبه)، فقام الرجل من عند النبي صلى الله عليه وسلم معترفاً أن أبغض شيء إليه هو الزنا، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهره لما انتفع الرجل بهذا الموقف الإيماني الرائع؟ إن النبي عليه الصلاة والسلام له مع أصحاب المعاصي مواقف رائعة، وأما مواقفه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهؤلاء الصحابة الأجلاء الكبار من أئمة الدين فهي مواقف أخرى، وعندما نأتي الآن لنسرد أخلاقيات النبي صلى الله عليه وسلم مع العصاة والزناة والسُّراق، والذين كانوا يسبونه ويشتمونه لعلمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن ينتقم من أحدهم كأهل مكة لما فتحها، فـ أبو سفيان قال له: (يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش، فلا قريش بعد اليوم، فكف عنهم النبي عليه الصلاة والسلام)، فلو كان صلى الله عليه وسلم من أهل الانتقام كما ننتقم نحن فلن يقوم لهذا الدين قائمة، فاتقوا الله عز وجل في العصاة.

ولا بد أن تعلموا أننا على معاص، فهم معصيتهم ظاهرة ونحن معاصينا مستورة، والله تعالى سترها عن الخلق لحسن مظهرنا، أو لحبنا لله ورسوله مع وجود المعاصي فينا.

ولو قرأت يا أخي المسلم! في حياة السلف كما هو في كتاب (سير أعلام النبلاء) في ترجمة أدنى رجل من أهل العبادة والعلم والعمل وقست نفسك عليه لوجدت نفسك ضائعاً أمام أعمالهم؛ لأن السلف بلغوا المجد في كل باب من أبواب العلم والعمل، والزهد فنحن بجوار السلف لا شيء، وليس لنا من السلف إلا حب السلف، وأما العمل فبيننا وبينهم بون شاسع، فهناك أناس أدنى منك وأقرانك في العلم والعمل والعبادة، وأعلى منك، والناس درجات، فقد جعل الله تعالى هؤلاء أهل معصية؛ حتى تؤجر أنت فيهم، وحتى تدعوهم إلى الله عز وجل، وحتى يستمر باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كان كل الناس مؤمنين موحدين فكيف يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟! قال: [(بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع امرأة من نسائه إذ مر رجل فقال: يا فلان! هذه زوجتي فلانة، فقال: يا رسول الله! من كنت أظن به فإني لم أكن أظن بك! قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)].