[الدليل على أن الإيمان إقرار باللسان]
قال: [وأما بيان ما فرض على اللسان من الإيمان]، أي: من النطق والكلام، [فهو ما قاله الله عز وجل: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:١٣٦]]، فعل أمر يدل على الوجوب.
و ((قُولُوا))، أي: بألسنتكم.
[{آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} [البقرة:١٣٦ - ١٣٧].
وقال الله تعالى في سورة آل عمران: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [آل عمران:٨٤]].
(قُلْ آمَنَّا)، والقول هو قول اللسان.
[وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا)]، لم يقل: حتى يصدقوا أو يذعنوا، وإنما قال: (حتى يقولوا)، وهذا القول يستلزم الاعتقاد، والاعتقاد يستلزم التصديق والإذعان والذل والامتثال لله عز وجل، فقال هنا: [(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأني رسول الله)].
[وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)] أي: وأني رسول الله؛ لأن هذا من اللازم.
قال: [(فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم)]، أي: إذا نطقوا بشهادة التوحيد؛ كانت هي العاصمة لهم من إراقة دمائهم وسلب أموالهم وذراريهم.
قال: [(إلا بحقها)]، أي: إلا إذا أتى واحد منهم بعد أن نطق بهذه الكلمة بما يستوجب قتله، كأن يكون زانياً محصناً، أو تاركاً لدينه مخالفاً للجماعة، أو قاتلاً لنفس بغير حق، أو غير ذلك مما يستوجب قتله.
قال: [(وحسابهم على الله عز وجل)]، أوكل سرائرهم إلى الله، والتقدير: إذا قالوها نفاقاً يتعوذون بها من القتل فحسابهم على الله عز وجل؛ ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلم المنافقين في زمانه بأسمائهم وأعيانهم وذواتهم، ولم يقتلهم وهم أكفر الخلق؛ حتى لا يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه.
أما حسابهم فقد أنزل الله عز وجل الوعيد الشديد والتهديد الأكيد في كفر هؤلاء، فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥]، وهذا جزاؤهم في الآخرة.
أما في الدنيا فهم مسلمون في الظاهر، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ولا سبيل لأحد عليهم حتى وإن عرف نفاقهم، ما لم يتحيزوا ويتميزوا وتعظم فتنتهم ويطر شررهم وشرهم، ويحاربوا الإسلام؛ فحينئذ يجب على الإمام أن يحاربهم.