كان الحسن البصري مبتلى بأهل البدع، فقد كان بصرياً، وأرض العراق أرض الفتن والبلايا خاصة البصرة والكوفة، والفتن فيها تموج موج البحر في كل زمان وفي كل عصر إلى اليوم.
أحدهم كان مشهوراً، واسمه على الكتب له وزنه، وقد بلغنا أنه لا يصلي، فجاء إلى الأردن سنة (١٩٨٥م)، والتقيت معه في مكة عند الشيخ سامي الأرناؤوطي حفظه الله، فقلت: يا فلان! بلغني عنك شيء قد غم كل من سمعه، قال: ادع لي ربنا يوفقني، قلت: وهل هذا الكلام صحيح؟ أنا أقول لك هذا الكلام لكي تكذب الخبر، فضحك، فقلت له: تضحك وأنت عالم وتارك للصلاة كيف ذلك؟! قال: أنا أحببت أن أتأكد أنها الصلاة، فقد يكون الأمر شيئاً آخر غير الصلاة.
فقال: يا شيخ! ادع لي، وكل إنسان مبتلى، وقد كان من السلف فلان وفلان وفلان لا يصلون، قلت له: لا أسوة في الشر، وقد ورد في ميزان الاعتدال في أسماء الرجال للإمام الذهبي ترجمة أحد الأعلام الكبار، وله مصنف في أصول الفقه في أربع مجلدات، فقال: ويغلب على الظن أنه كان تاركاً للصلاة، حتى كان ذلك محل نظر الطلاب، فاختلفوا فيه، فقال بعضهم: إنه يصلي وقال البعض الآخر: لا يصلي، فقالوا: إذا نام لطخنا قدمه بالحبر الأسود فننظر هل يذهبه ماء الوضوء أم لا؛ حتى نتيقن من دون أن نسأله؟ فبقي الحبر في قدمه يومين لم يذهب، وهذا بلاء عظيم جداً، ولكن لا أسوة في الشر وإن أجمع الناس جميعاً على ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج، فلا يحل لمسلم قط أن يترك ذلك ويقول: فلان ترك كذا وفلان ترك كذا، وأنا كذلك أترك هذا، فهذا لا يجوز، وأنا في الحقيقة متأسف أني ذكرت ذلك.
وعمرو بن عبيد كان من رءوس البدع بعد واصل بن عطاء، ودائماً أهل البدع يجلسون مع بعضهم البعض حتى في الدرس، فالطيور على أشكالها تقع، في حين أن الأخ الذي يأتي إلى الدرس فقط يجلس يستمع إلى الدرس ولا يهمه من هو جالس عن يمينه وعن شماله، ومن ورائه ومن أمامه.
وكان في مجلس الشافعي جماعة من أهل اللغة العربية، وهؤلاء ما كانوا يأتون لكي يسمعوا العقيدة ولا السنة ولا الأحكام ولا الحلال والحرام، وإنما كانوا يأتون لكي يستمتعوا بجمال وروعة لسان الشافعي، فقد كان الشافعي في اللغة حجة، وهذا قول أشهر من أن يذكر، فكانوا يجلسون في آخر المسجد وفي آخر الخيمة لكي يستمتعوا بكلام الشافعي، ولكي يرووا الأدبيات والفصاحة والبلاغة واللغة والكلمات التي تخفى عليهم في اللغة العربية، وهؤلاء جاءوا لغرض معين، وأما الحلال والحرام فليس طريقهم، وهؤلاء مثل شخص يقول: كلما تتكلم في الإسناد أنام، وإذا تكلمت في المتن أستيقظ، أو مثل من يقول: أنا آتي بسبب كلمة واحدة وهي حلال أو حرام، ولما تتكلم في المسألة أبقى حريصاً على سماع الكلمة النهائية حلال أو حرام، ولذلك استوقفك إذا تعديتها وأقول لك: يا شيخ! هذه المسألة حلال أم حرام؟ وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وهو صاحب حق فيما يطلب، فهو يقول: أنا أريد أن أعرف هل هذه المسألة حلال أم حرام، ثم تسأله عنها بعد عشرين سنة فيقول لك: أنت قلت في مسجد الرحمة في شارع الهرم سنة كذا: إنها حرام.