قوله تعالى:(عمياً وبكما وصماً) وقوله: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة)
وأما قوله:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}[الإسراء:٩٧]، وفي آية أخرى:{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}[الأعراف:٥٠].
ففي الآية الأولى: أنهم عمي وبكم وصم.
وفي الثانية: ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة، فقالوا: كيف يحشرهم الله يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً، وفي موضع آخر ينادي بعضهم على بعض؟! أي: موضع لا كلام فيه، وموضع فيه كلام، كيف يكون ذلك؟ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.
قال الإمام أحمد: أما تفسير: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ}[الأعراف:٤٤]، مع قوله:{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}[الأعراف:٥٠]، فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضاً، وينادون:{يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:٧٧]، ويقولون:{رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}[إبراهيم:٤٤]، ويقولون:{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا}[المؤمنون:١٠٦]، فهم يتكلمون حتى يقال لهم:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:١٠٨]، أي: اسكتوا، ولا يتكلم منكم أحد؛ فصاروا فيها عمياً وبكماً وصماً، أي: يتكلمون أولاً، ثم يضرب عليهم البكم والصم والعمى، وينقطع الكلام ويبقى الزفير والشهيق؛ فهذا تفسير ما شك فيه الزنادقة من قول الله تعالى.