[متى يجاب الإنسان إذا سأل عن بعض الأهواء والمحدثات]
قال: فإن قال قائل: قد حذرتنا الخصومة والمراء والجدال والمناظرة، وقد علمنا أن هذا هو الحق، وأن هذا سبيل العلماء وطريق الصحابة والعقلاء من المؤمنين والعلماء المستبصرين، فإن جاءني ربي يسألني عن شيء من هذه الأهواء التي قد ظهرت، والمذاهب القبيحة التي قد انتشرت، ويخاطبني منها بأشياء يلتمس مني الجواب عليها، وأنا ممن قد وهب الله الكريم لي علماً بها، وبصراً نافذاً في كشفها، أفأتركه يتكلم بما يريد ولا أجيبه، وأخليه وهواه وبدعته، ولا أرد عليه قبيح مقالته.
أي: قد عرفنا الحق في هذا المنهج، لكن افرض أن شخصاً جاءني فسألني عن هذه الأهواء المضلة، وأنا ممن وهب علماً، وأستطيع أن أقيم الحجة عليه؛ وهذا هو الشرط الثاني.
والشرط الثالث بعد ذلك: أنه يغلب على ظنك أنه سيقبل منك.
قال: فإني أقول له: اعلم يا أخي رحمك الله! أن الذي تبلى به من أهل هذا الشأن لن يخلو أن يكون واحداً من ثلاثة: إما رجلاً قد عرفت حسن طريقته، وجميل مذهبه، ومحبته للسلامة، وقصده طريق الاستقامة، وإنما سلك طريقاً سمعه من كلام هؤلاء الذين قد سكنت الشياطين قلوبهم، فهي تنطق بأنواع الكفر على ألسنتهم، وليس يعرف وجه المخرج مما قد بلي به، فسؤاله سؤال مسترشد يلتمس المخرج مما بلي به، والشفاء مما أوذي به، أضف إلى علمك حاجته إليك حاجة الصادي إلى الماء الزلال، وأنت قد استشعرت طاعته، وأمنت مخالفته، فهذا الذي قد افترض عليك -أي: افترض الله تعالى عليك أن توفقه للرشاد والسداد، وأن تبين له الحق الذي يسأل عنه ويسترشد فيه- توفيقه وإرشاده من حبائل كيد الشياطين، وليكن ما ترشده به وتوقفه عليه من الكتاب والسنة والآثار الصحيحة من علماء الأمة من الصحابة والتابعين؛ وكل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وإياك والتكلف لما لا تعرفه، وتمحل الرأي -أي: إياك أن تتكلف في أن تدخل في الرأي- والغوص على دقيق الكلام، فإن ذلك من فعلك -أي: إذا فعلته- بدعة، وإن كنت تريد به السنة، فإنَّ إرادتك للحق من غير طريق الحق باطل، وكلامك على السنة من غير طريق السنة بدعة، ولا تلتمس لصاحبك الشفاء بسقم نفسك -أي: لا تداويه فتمرض أنت- ولا تطلب صلاحه بفسادك؛ فإنه لا ينصح الناس من غش نفسه، ومن لا خير فيه لنفسه لا خير فيه لغيره، ومن أراد الله وفقه وسدده، ومن اتقى الله أعانه ونصره.