[حديث عمر: (أكرموا أصحابي فإنهم خياركم)]
[عن عبد الرحمن بن عبد الله قال: قدم عمر الجابية -وهي قرية من قرى الشام- فقام فينا خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قمت فيكم، فقال: (أكرموا أصحابي)].
وقالت عائشة رضي الله عنها: أمروا بالاستغفار لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فسبوهم، أي: فلم يستغفروا لهم، بل سبوهم وشتموهم.
فنحن مأمورون بالاستغفار لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، اللهم اغفر لهم وارحمهم.
قال: [(أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر فيكم الكذب)]، أي: بعد هذه القرون الخيرية، كما قال عليه الصلاة والسلام: [(فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى يحلف الرجل وإن لم يستحلف، ويشهد وإن لم يستشهد، ألا من أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن معهما الشيطان، ومن ساءته خطيئته فهو مؤمن)].
يعني: علامة الإيمان أن من عصى الله تعالى وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم، فاستاء بهذه المعصية وتفطر قلبه وحزن حزناً بالغاً عليها؛ فهذا دليل على صدق الإيمان.
ولذلك لما أتى الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: (يا رسول الله! إن أحدنا تحدثه نفسه بالشيء لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يتفوه به، قال: أوقد فعلها الشيطان؟) وفي رواية مسلم (أوقد وجدتم ذلك؟ ذاك صريح الإيمان).
وكما قال النووي وابن حجر عليهما رحمة الله: إن هذه وسوسة الشيطان في ذات الله عز وجل، فتجد الرجل يفكر في نفسه ما لو أنه يخر من السماء أحب إليه من أن يتكلم به، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (أوقد فعلها؟) يعني: الشيطان قد فعلها وضحك عليكم؟ وأنتم ساءتكم هذه، مع أنه حدثته به نفسه حديثاً، ومرت عليه مرور الكرام ولم تستقر في القلب، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فتقولون: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فتقولون: الله، فيقول: من خلق الجبال؟ فتقولون: الله، فيقول الشيطان: هذا الله خلق كل شيء، فمن خلق الله؟ فإذا بلغ الشيطان منكم ذلك المبلغ فاستعيذوا بالله وانتهوا)، وفي رواية: (وقولوا: آمنا بالله ورسوله).
وقوله: (فاستعيذوا بالله) أي: لدحر الشيطان وطرده، فالاستعاذة تطرد الشيطان.
وقوله: (وانتهوا) أي: جاهدوا أنفسكم ألا يستقر هذا الوسواس في قلوبكم، وأن يكون مجرد خاطر خطر في القلب ومر ولم يستقر في القلب.
وقوله: (وقولوا: آمنا بالله ورسوله) تحديد من النبي عليه الصلاة والسلام لعلاج هذا الداء الفتاك العظيم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ذاك صريح الإيمان)، أي: إذا ساءتك هذه المعصية ولم تفرح بها.
وصاحب الأمراض القلبية يتمنى بزعمه أن لو يجد متشابهاً في القرآن فيقف عنده، وقد نبهنا الله تعالى أن هؤلاء هم مرضى القلوب والعقول، الذين يتتبعون المشتبهات، وأما المسلم فإنه يؤمن بها ويمرها كما جاءت ولا يحملها إلا على أحسن المحامل، بخلاف المريض من أهل الشبهات ومن العامة والجهلاء.
وكلام الله تعالى واحد، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].
فلما لم يكن فيه اختلاف دل على أنه من عند الله عز وجل.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (ذاك صريح الإيمان) أي: خوفك البالغ مما وقع في قلبك أو خطر على قلبك أكبر دليل على أنك رجل صالح مؤمن، وكذلك عندما تفعل المعصية ثم تتوب إلى الله عز وجل فوراً، وترجع إليه حالاً، وتستاء غاية الإساءة مما بدر منك.
وقد قال حنظلة: (يا رسول الله! نكون بين يديك كأننا نرى الجنة والنار، فإذا خرجنا من عندك وعافسنا الزوجات وانشغلنا بأموالنا اتهمنا أنفسنا بالنفاق)، يعني: عندما نكون في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام فكأنا نرى الجنة والنار حقيقة، فإذا خرجنا من مسجده النبوي الشريف وانشغلنا بأمور الدنيا غاب عنا بعض التصور الذي نجده في مجلس العلم مع النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا اتهموا أنفسهم بالنفاق، وليسوا كذلك، ولذلك قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (لو ظللتم على ما أنتم عليه لصافحتكم الملائكة).
وأمر جبلي فطري أن الإنسان حينما ينشغل بشيء يغيب عنه أشياء، فـ عمر بن الخطاب مثلاً كان يجعل نفسه جملاً لأولاده ويقعد في ساحة البيت وغير ذلك، ولو أن عمر في هذه اللحظة تصور أو تذكر النار لما مازح أبناءه، وهذا من رحمة الله عز وجل بالخلق.