المسألة الرابعة: قول الله عز وجل: {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}[الروم:٢٠]، ثم قال:{مِنْ طِينٍ لازِبٍ}[الصافات:١١]، ثم قال:{مِنْ سُلالَةٍ}[المؤمنون:١٢]، ثم قال:{مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر:٢٦]، ثم قال:{مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:١٤].
فهم يشكون في كلام الله عز وجل فيقولون: هذه ملابسة، أي: هذا الكلام مشكل متشابه، ينقض بعضه بعضاً.
قال الإمام: هذا بدء خلق آدم، فقد خلقه الله من تراب، ثم من طينة حمراء وسوداء وبيضاء، من طينة طيبة وسبخة، وكذلك ذريته: طيب وخبيث، أسود وأحمر وأبيض، ثم صار ذلك التراب طيناً؛ فذلك قوله:(من طين)، فلما لصق الطين بعضه ببعض صار طيناً لازباً، أي: متماسكاً.
ثم قال:{مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ}[المؤمنون:١٢]، أي: مثل الطين إذا عصر انسل من بين الأصابع.
فأنت إذا أخذت قطعة من الطين فجعلتها في يدك، ثم عصرتها؛ انسل الطين من بين أصابعك.
ثم نتن هذا الطين فصار حمأً مسنوناً.
أي: خلق الله الخلق من الحمأ، فلما جف صار صلصالاً كالفخار، يقال: صار له صلصلة، أي: جرس كصلصلة الفخار، وله دوي كدوي الفخار، فهذا بيان خلق آدم.
وأما قوله:{مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[السجدة:٨]، فهذا بدء خلق ذريته من سلالة، أي: النطفة إذا انسلت من الرجل لا من آدم؛ لأن آدم لم يخلق من نطفة، وإنما خلق من طين.