[وعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، إلا أن يوشك شبعان على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرم فحرموه، ألا لا يحل الحمار الأهلي وذكر الحديث).
أحياناً الواحد يستشعر معنى هذا الكلام، وذلك عندما تذهب مثلاً إلى شخصية كبيرة جداً، وربما تكون هذه الشخصية عندها دكتوراه في الشريعة، أو لا يزال يحضر الدكتوراه، ومعه ليسانس في الشريعة الإسلامية، أو في علوم السنة أو غير ذلك، وتجده طويلاً وعريضاً في بدنه، بل قد تجد أن ارتفاع بطنه حوالي متر ونصف، فتقول له: السنة، فيقول لك: لا، سنة ماذا؟ أنا حضرت ماجستير في السنة، تقول لي: السنة؟! خذها واشبع بها، ويرد روايات في البخاري ومسلم، ويقول لك: هذا الذي تسمعه أهو كلام دخل مخك؟! فتقول له: هل العيب في السنة أم في عقلي أنا؟ فيقول لك: لا بد من اتفاق النقل مع العقل، أقول له: صحيح، لكن اتفاق النقل مع العقل السليم، وليس العقل الخرف كحالتك، فيقول لك: أتصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر؟ وقد كان هناك شخص يناقشني في سحر النبي عليه الصلاة والسلام، فقلت له: عيب، الحديث في البخاري، وتلقته الأمة بالقبول، ولم يتعرض له أحد من أئمة الإسلام بالنقد، والأمة مجمعة على صحة الحديث، فيقول لك: هذا كلام فارغ! فهل إجماع الأمة كلام فارغ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فهل الأمة لها ألف وأربعمائة سنة مجمعة على ضلالة، وأنت يا مغفل أدركت الحقيقة بزعمك؟ فيقول لك: دعنا من ذلك الحديث، هل أنت مصدق حديث الذبابة الذي في البخاري؟ فهو يعرف أنه في البخاري، فأقول له: نعم، وفي النهاية تضطر أن تقول له: إن الطب أثبت فعلاً أنه في أحد جناحي البعوض داء وفي جناحها الآخر دواء؟ فيقول لك: غير معقول، أين قال هذا الطب؟ فتقول له: قد بحث في مكان كذا، فيقول لك: إذاً أنا آمنت فعلاً.
يعني: أنت لا تؤمن إلا إذا بحث! والنبي والصحابة والعلماء والرواة، بل الأمة بأكملها لا تكفي! إلا قول طبيب من لندن أو من أمريكا أو من فرنسا أو من أي مكان آخر! ثم وهو يتحدث معك يجلس على الكرسي وبطنه أمامه، فهذا هو الذي صوره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:(لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته شبعان)، أي: عنده تخمة في بطنه وفي عقله، فيقول لك: لا نقبل السنة! فنقول له: إذاً ماذا تريد؟! إن معظم المثقفين معتزلة من حيث لا يدرون أنهم معتزلة، وعامة الأمة مرجئة من حيث لا تريد أن تكون كذلك، فإذا قلت لواحد من الأمة: صل، يقول لك: يا رجل! صلاة ماذا؟ أهم شيء القلب، هذا القلب في منتهى النظافة! ونسي أو لم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قد كفره، وقد يقول: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج الزكاة تقليل للمال، والله لم يأمر بذلك، فينكر القرآن والسنة من حيث لا يريد هو أن ينكر، لكنه الإرجاء.
قال: [وقال المقدام: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أوتيت الكتاب وما يعدله)]، أي: السنة، ثم قال: [(يوشك شبعان على أريكته يقول: بيننا وبينكم هذا الكتاب، فما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، وإنه ليس كذلك)]، والضمير في الحديث يقول أهل العلم: يعود على الكتاب، وقال بعضهم: يعود على القائل، وهو الأقرب من قول أهل العلم.
قال:(وإنه ليس كذلك)، أي: وإن الأمر ليس كما يزعم هذا الزاعم أنه متمسك بالكتاب؛ لأن من تمسك بالكتاب لزمه أن يتمسك بالسنة، فإما أن يؤمن بهما، وإما أن يكفر بهما.