والرؤى والمنامات لا يؤخذ منها اعتقاد، وإنما هي مبشرات أو محذرات، أي: محطات يقف عندها العبد، فإذا كانت خيراً يستبشر بها، وإن كانت شراً يتوقف عندها، ويحاول أن يراجع حساباته مع الله عز وجل.
فالرؤى والمنامات لا يؤخذ منها شيء، لكن إذا وافقت الرؤية ما كان في واقع هذا الرأي، وكانت منضبطة على الأصول الشرعية فلا شك أنها تكون أقرب إلى الحقيقة؛ خاصة إذا كانت لها الشواهد والأدلة والأصول في الكتاب والسنة أو إجماع أهل العلم، وحينئذ يستأنس بها ويسترشد بها، ولا يقف المرء عندها، ولا يقول: إذاً سينزل بي كذا وكذا، أو سينالني من الخير أو الشر كذا وكذا؛ لأنه عند ذلك قد حول الرؤية إلى عقيدة عنده، وهي في الحقيقة استئناس ومبشرات فقط، أو تحذيرات للعبد، لذا لا يتوقف عندها، ولا تنبني عليها أحكام ولا أعمال.
وكذلك تلك الروايات التي تنقل من كتب أهل الكتاب من الإسرائيليات، والمعلوم أن هذه الكتب لا تمثل أحكاماً انفرادية عندنا، وإنما ما وافق منها ما كان عندنا قبلناه من باب الاستئناس، على أن يكون الأصل هو كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع أمة الإسلام، وما كان من كتب أهل الكتاب يوافق هذه الأصول أخذنا به استئناساً لا تأصيلاً، وما خالفها نرده ولا نقبله، بل يغلب على الظن أنه من الكلام المحرف في كتب بني إسرائيل.
وما كان مسكوتاً عنه في كتب بني إسرائيل فإننا لا نقبله ولا نرده، أي: لا علاقة لنا به، لكننا لا نكذبه كما أننا لا نصدقه، وهذا باختصار حكم الإسرائيليات، وقد ذكرنا منها كثيراً، فهل رأيتم فيما ذكرنا شيئاً يخالف عقيدة أهل الإسلام في القدر؟ ما وجدنا شيئاً يخالف عقيدة أهل الإسلام في القدر.