[معنى قول موسى لآدم:(أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة)]
قال: [(التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت الذي أشقيت الناس -من الشقاء والتعاسة، وهو ضد السعادة- وأخرجتهم من الجنة؟ قال: فقال آدم لموسى)] وفي الحقيقة يذكر الأمر باعتبار ما سيكون؛ لأن الذي خرج من الجنة هو آدم وحواء دون الذرية، إذ إن الذرية ما كانت إلا على الأرض، أي: لم يكن لآدم نسل في الجنة، وإنما لما نفخ الله فيه الروح وأمره بهذه الأوامر وقعت المخالفة بعدها فوراً من شدة إغواء الشيطان وإبليس له، فكان الخروج فوراً من الجنة إلى الأرض، فلم يحصل لآدم تناسل في الجنة، وإنما أول التناسل حصل بعد أن نزل إلى الأرض، فقوله هنا:(أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة)، هو في الحقيقة يريد أن يقول: أنت الذي خرجت من الجنة، وبالتالي كانت ذريتك حاصلة على الأرض وليس في الجنة، بدليل أن الإجماع منعقد على أن آدم لم ينجب في الجنة، وإنما أنجب في الأرض، فقوله: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة، هو في الحقيقة ما أخرجهم، وإنما أخرج نفسه، وهو أس النسل عليه السلام.
قال: [(فقال آدم لموسى: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فهل وجدته كتب علي قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى)]، أي: غلبه بالحجة.
[وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحاج آدم وموسى عليهما السلام، فقال آدم لموسى: أنت يا موسى! الذي بعثك الله برسالته، واصطفاك على خلقه، ثم صنعت الذي صنعت؟)]، في كل مرة موسى هو الذي يقول لآدم، وهذه المرة بدأ آدم، قال:(أنت يا موسى! الذي بعثك الله برسالته، واصطفاك على خلقه، ثم صنعت الذي صنعت؟)، وأنتم تعلمون أن موسى عليه السلام قتل نفساً، وكان ربما وقع في النفس الثانية، لولا أنه استرجع ما كان منه بالأمس:{أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ}[القصص:١٩]، أي فما الخبر يا موسى؟ أو كلما تلقى شخصاً تريد قتله أم كلما يصرخ عليك شخص من قومك تقوم مباشرة بقتله؟ قال: [(فقال موسى: أنت آدم أبو الناس الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، فلولا ما صنعت دخلت ذريتك الجنة؟ قال آدم لموسى: أتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى).
ومن طريق أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقي آدم موسى عليهما السلام، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، ثم فعلت ما فعلت، فأخرجت ذريتك من الجنة؟ قال آدم: يا موسى! أنت الذي اصطفاك الله برسالته، وكلمك وقربك نجياً؟ قال: نعم، قال: فأنا أقدم أم الذكر؟)]، انظروا إلى الحجة، يقول له: أيهما خلق أولاً أنا أم اللوح المحفوظ؟ [قال: بل الذكر] الذي هو اللوح المحفوظ.
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فحج آدم موسى، فحج آدم موسى)]، وكأن آدم أراد أن يقول لموسى: أنا أقدم أم الذكر؟ قال موسى: الذكر، والذكر مكتوب فيه كل شيء إلى قيام الساعة، وبالتالي مكتوب فيه أن آدم سيأكل من الشجرة.