بيان أن أهل البدع هم أكثر الناس اختلافاً واضطراباً
قال:[وأهل البدع أكثر الناس اختلافاً، وأشدهم تنافياً وتبايناً، لا يتفق اثنان من رؤسائهم على قول، ولا يجتمع رجلان من أئمتهم على مذهب، فـ أبو الهذيل، وهو محمد بن هذيل العلاف المعروف، معتزلي كبير من أئمة الاعتزال -يخالف النظام - والنظام كذلك معتزلي إن لم يكن هو أكبر منظري المعتزلة في زمانه، بل لم ينجب الاعتزال أذكى منه مع سوء الاعتقاد-، وحسين النجار يخالفهما -أي: يخالف أبا الهذيل والنظام - وهشام الفوطي يخالفهم جميعاً، وثمامة بن أشرس يخالف الكل، وهاشم الأوقص وصالح قبة -وهذا شيعي- يخالفهم جميعاً، وكل واحد منهم قد انتحل لنفسه ديناً ينصره، ورباً يعبده، وله على ذلك أصحاب يتبعونه، وكل واحد منهم يكفر من خالفه -ما عدا الأصول لأهل الاعتزال-، ويلعن من لا يتبعه، وهم في اختلافهم وتباينهم كاختلاف اليهود والنصارى].
بينما الواحد من هذه الأمة عندما يخالف في مسألة من مسائل الأحكام فإننا نقول: يكفي أنه من أهل السنة، لكن لا نقره على الخطأ، ولا نبدعه ولا نفسقه، وإنما نقول: تأول في القضية الفلانية وخرج بها عن حد الاعتدال الذي عليه أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بفروع الأحكام، ولا نزيد على ذلك بلعنه ولا سبه ولا شتمه ولا تفسيقه وتبديعه فضلاً عن تكفيره، ولعلكم تذكرون أن الإمام الشافعي قال: الفرق بيننا وبين أهل البدع أن الواحد منهم إذا خالف صاحبه قال: كفرت، وإذا خالف أحدنا صاحبه قال: أخطأت.
فالمخطئ فينا مخطئ، ولا نزيد على ذلك، والمخطئ في أهل البدع مع بعضهم لبعض فاسق أو كافر، ولذلك قال شيخ الإسلام عليه رحمة الله: أهل السنة لأهل البدع أرحم من أهل البدع بعضهم لبعض؛ لأن الواحد منهم إذا خالف صاحبه قال: كفرت، والواحد منا إذا خالف صاحبه قال: أخطأت، إذاً فأهل السنة أرحم بأهل البدع من أهل البدع بعضهم ببعض، وهذا كلام في غاية الأهمية.
ولذلك ففي أهل البدع نوع شبه من قول الله عز وجل:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ}[البقرة:١١٣].