قال:[وعن أبي رزين العقيلي]، وإن كان الإسناد فيه ضعف، لكن يشهد له ما قبله وما بعده، [قال:(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق بالنار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله)].
أي: تحب الغريب الذي لا تربطك به رابطة نسب، وهذا الحب لا يكون إلا في الله، قال: [(فإذا كنت كذلك فقد دخل حب الإيمان قلبك كما دخل حب الماء قلب الظمآن في اليوم القائظ -أي: اليوم الشديد الحر - قلت: يا رسول الله! كيف لي أن أعلم أني مؤمن؟ قال: ما من أمتي أو من هذه الأمة من عبد يعمل حسنة فيعلم أنها حسنة والله جازيه بها خيراً منها، ولا يعمل سيئة فيعلم أنها سيئة، ويستغفر الله منها، ويعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو فهو مؤمن)].
وهذا مصداق [قوله عليه الصلاة والسلام:(من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)].
فمثلاً: لو أن واحداً صلى وشعر بعد الصلاة بتوفيق الله عز وجل له في هذه الصلاة، وأنه كان على قدر لا بأس به من الخشوع والخضوع والذل بين يدي العزيز الجبار سبحانه وتعالى؛ فلا شك أن هذا العبد أفضل من آخر صلى بجواره وهو غافل لاه ساه، فخرج من صلاته ولا يدري هل قرأ فيها أم لا؟ وإذا كان قد قرأ فلا يدري ما قرأ؟ بخلاف الآخر الذي استحضر الخشوع، ونظر الله تبارك وتعالى إليه، فأتى بهذه الصلاة على وجهها، فأتمها بخشوعها، وأداء أركانها، وواجباتها ومستحباتها، ففرق عظيم بين هذا وذاك، فهذا العبد الثاني لما استشعر أن هذا من رحمة الله عز وجل فرح بهذه الحسنة التي أداها، وفرحه هذا إنما منبعه الإيمان؛ لأن المؤمن إذا عمل خيراً فرح به، وإذا بدت منه سيئة استاء واغتم أشد الغم لما بدر منه؛ لما قصر في جنب الله، ولذلك المؤمن الكامل الإيمان إذا قام ورأى الشمس قد أشرقت ولم يصل الصبح فماذا يكون حاله؟ لا شك أنه يكون في غاية الضيق والهم والغم، بل والكسل طيلة النهار، وكأنه وقع في ذنب لا يغفر أبداً، مع أن هذا قد حصل من النبي عليه الصلاة والسلام، وأنتم تعلمون حديث بلال وأنس وغيرهما:(أن النبي عليه الصلاة والسلام نام وأصحابه ورضي الله عنهم أجمعين حتى ضربت الشمس بحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تحولوا بنا عن هذا الوادي فإن به شيطاناً، ثم أمر بلالاً فأذن فتوضئوا وصلوا الفجر، ثم صلوا الظهر بعد ذلك).
وهذا مصداق لقوله عليه الصلاة والسلام:(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإنما ذلك وقتها).
والشاهد أن المرء الذي عنده شيء من الإيمان -لا أقول: كمال الإيمان وتمامه- لو أنه سرق أنبه إيمانه وضميره وخوفه من الله عز وجل، وربما أخفى المال المسروق بين يديه؛ لشهوة أو ضعف في إيمانه أو حاجة إلى هذا المال أو غير ذلك، لكنه على أية حال غير مطمئن البال لما بدر منه؛ لأنه ساءته سيئته، وهذا بخلاف المنافق، فإنه لا تسره حسنته ولا تسوءه سيئته، بل إنه يتظاهر بالخير ويبطن الشر، يتظاهر بالإيمان ويبطن الكفر، ويظن أنه في مأمن من مكر الله عز وجل، واطلاع الله عز وجل على سره، كاطلاعه على علانيته سواء بسواء، فهذا هو الفرق بين المؤمن والمنافق، فالمؤمن إذا فعل سيئة استاء بها، وإذا فعل حسنة سر بها، ومصدر السرور بالحسنة والإساءة بالسيئة إنما هو الإيمان، فيكون قوله عليه الصلاة والسلام:(من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)، أي: مصدر الإساءة ومصدر الإحسان هو الإيمان، فلو أنه فعل سيئة استاء منها، وهذا الاستياء دليل على إيمان العبد، وإذا فعل حسنة سر بها، وهذا السرور دليل على الإيمان، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(علامة الإيمان حب الأنصار، وعلامة النفاق بغض الأنصار)، إذاً: حب الأنصار شعبة من شعب الإيمان، وأنا لابد أن أسأل نفسي سؤالاً: لماذا أحب الأنصار؟ هناك من الأنصار مشركون، ومن أبناء الأنصار مشركون، لكنني أحببت الأنصار في الجملة؛ لأجل محبتهم لله عز وجل ولرسوله ونصرتهم لدينه، وتقديمهم الغالي والنفيس في سبيل نصر دين الله عز وجل.
لكن لو أني -عياذاً بالله- منافق، فهل أحبهم لأجل نصرتهم لدين الله؟
الجواب
لا، إذاً: علامة الإيمان حب الأنصار، أي: بسبب نصرتهم لله ورسوله، لكن لو أن اثنين من الأنصار تخاصموا مع بعضهم البعض، أليس الأوس والخزرج من الأنصار؟ بلى، فلو أن شخصاً من الأوس تخاصم مع شخص من الخزرج؛ فلا شك أن هذا سيورث شيئاً من البغض بين الأوسي والخزرجي، فهل بغض الأوسي للخزرجي بسبب نصرة الخزرجي لله ورسوله؟ فلو أن أوسياً أبغض خزرجياً هل يكون هذا مؤثراً على إيمان الأوسي؟ لا؛ لأن بغضه للخزرجي ليس بسبب نصرة الخزرجي لله، ولرسوله وكذلك العكس بالعكس، فلو أنك عقدت قلبك ونيتك على حب الأنصار لأج