[حديث معقل بن عبيد الله عن قدوم سالم الأفطس بالإرجاء ونفور السلف منه]
[وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء]، وسالم الأفطس كان زعيماً من زعماء المرجئة.
قال: [فعرض ما معه من إرجاء، فنفر منه أصحابنا نفاراً شديداً].
الكلام الجميل -يا إخواني- أنك إذا سمعت كلاماً منكراً فيجب عليك أن تنفر منه نفاراً شديداً، ولذلك فإن أهل العلم يحذرون من الجلوس إلى أهل البدع، فيقولون: إذا لقيت الرجل من أهل البدع ففر منه فرارك من المجذوم، أو فرارك من الأسد؛ لأنك لو سلمت نفسك للأسد فأكل بدنك، خير من أن تسلم نفسك لصاحب بدعة يأكل قلبك ويأكل إيمانك.
وقد استوعبنا هذا الباب استيعاباً عظيماً جداً لأهميته في دروس الاعتقاد.
[قال: فنفر منه أصحابنا نفاراً شديداً، وكان أشدهم نفاراً ميمون بن مهران وعبد الكريم بن مالك، فأما عبد الكريم فإنه عاهد الله ألا يؤيه وإياه سقف بيت إلا المسجد].
أي: أن عبد الكريم قال: والله لا يمكن أن أجتمع مع هذا المبتدع إلا في بيت الله فقط، ولا يؤيني وإياه سقف بيت قط إلا بيت الله.
[قال: فحججت فدخلت على عطاء بن أبي رباح في نفر من أصحابه، فإذا هو يقرأ سورة يوسف قال: فسمعته قرأ هذا الحرف {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:١١٠] قال: قلت: إن لي إليك حاجة فأخلنا]، أي: أني أريد أن أتكلم معك يا عطاء، فلو سمحت أريدك وحيداً بغير أن يحضرنا أحد.
[قال: فأخبرته أن قوماً قبلنا قد أحدثوا وتكلموا وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين]، أي: يريدون أن يقولوا: إن أعمال الجوارح ليست من الإيمان.
[قال: أوليس الله عز وجل يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]]، إذاً: فالصلاة والزكاة من الدين.
أما قول هؤلاء إن الصلاة والزكاة وأعمال الجوارح ليست من الدين ولا من الإيمان؛ فهو قول فاسد، ويرد عليهم بهذه الآية.
[قال: فقلت له: إنهم يقولون ليس في الإيمان زيادة.
فقال: أوليس الله تعالى قال فيما أنزل: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:١٧٣] قال: قلت له: إنهم قد انتحلوك]، أي: إنهم يفترون عليك ويقولون: أنت الذي علمتهم أن أعمال الجوارح ليست من الإيمان، كما أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهم افتروا هذا الكلام عن عطاء.
[فقال: إن ابن ذر دخل عليك يا عطاء في أصحابه، فعرضوا عليك قولهم فقبلته وقبلت هذا الأمر.
فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو ما كان هذا مني.
مرتين أو ثلاثاً.
ثم قال: ثم قدمت المدينة فجلست إلى نافع الفقيه مولى ابن عمر فقلت: له يا أبا عبد الله! إن لي إليك حاجة.
فقال: أسر أم علانية؟ فقلت: لا بل سر.
فقال: رب سر لا خير فيه، بل كثير من السر لا خير فيه.
قلت: ليس من ذاك، فلما صلينا العصر قام ويده بيدي وخرج من الخوخة -أي: من الباب- ولم ينتظر القاص]، أي: لم ينتظر مجلس القصاص.
[فقال: ما حاجتك؟ قلت: أخلني من هذا كان معه ولده عمر فقال له: تنح يا عمر حتى يتكلم عمك بما يريد.
قال: فذكرت له بدو أمرهم]، أي: بداية ظهور أمر هؤلاء المرجئة.
فقال نافع الفقيه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أُمرت أن أضرب بالسيوف حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقه، وحسابهم على الله).
قال: قلت: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونحن نشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل ذلك.
قال: فنتر يده من يدي -أي: جذب يده من يدي- وقال: من فعل هذا فهو كافر! قال معقل: ثم لقيت الزهري فأخبرته بقولهم فقال: سبحان الله! أوقد أخذ الناس في هذه الخصومات؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).
قال معقل: ثم لقيت الحكم بن عتيبة فقلت له: إن ميموناً وعبد الكريم بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة فعرضوا قولهم فقبلت قولهم.
قال: فقيل ذلك على ميمون وعبد الكريم؟ قلت: لا.
قال: دخل علي منهم اثنا عشر رجلاً وأنا مريض، فقالوا: يا أبا محمد! أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل بأمة سوداء أو حبشية؟ فقال: (يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، أفترى أن هذه مؤمنة؟ فقال لها رسول الله عليه الصلاة و