للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية عبادة بن الصامت عند الموت لابنه الوليد بالإيمان بالقدر]

[عن عطاء بن أبي رباح: قال سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حضره الموت؟ فقال: دعاني فقال: يا بني! اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، وتؤمن بالقدر خيره وشره.

قلت: يا أبتي! كيف لي أن أؤمن بالقدر خيره وشره؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.

هذا القدر، أظنه قال: فإن مت على غير هذا دخلت النار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فقال: أي رب! وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، فجرى القلم تلك الساعة بما هو كائن إلى الأبد)].

فلو هددك طاغية بشيء من العذاب والنكال وأردت أن تصرفه عن نفسك وقد كتب في اللوح المحفوظ أنه واقع بك؛ هل يمكنك دفعه؟ لا، وإذا لم يكتبه الله تعالى عليك هل يمكن لهذا الطاغية إلحاق الأذى بك؟ لا، فإن تؤمنوا بذلك فأنتم على خير، لكن الإيمان الحقيقي يظهر ساعة المحك والعمل، فإن قال لك سلطان: افعل كذا، قل له: هذا حرام، فإن قال: تفعل وإلا فعلت، قل له: لا تستطيع إلا بقدر، وكل شيء بقدر، قدر الله وما شاء فعل.

هذه الكلمات تقتله قتلاً؛ لأنه لا يؤمن بالقدر كما تؤمن أنت، وإن أوقع شيئاً من الأذى فبقدر ومكتوب، وهو في علم الله منذ الأزل.

[وعن أيوب بن زياد عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وأنا أتخيل فيه الموت، فقلت: يا أبا الوليد! -وهي كنية عبادة بن الصامت - أوصني واجتهد لي؟ قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: يا بني! إنك لن تطعم طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله عز وجل حتى تؤمن بالقدر خيره وشره -أي: إنك لن تطعم طعم الإيمان، وتذوق حلاوته حتى تؤمن بالله، وتعلم الله تعالى، وتؤمن بالقدر خيره وشره- فقلت: يا أبتاه! وكيف لي أن أعلم ما خير القدر من شره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول شيء خلق الله القلم، ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيام) يا بني فإن مت ولست على هذا -أي: ولم تؤمن بهذا- دخلت النار.